عندما عين نادي آرسنال الإنجليزي لكرة القدم مدربا جديدا لفريقه الأول في عام 1996 ، رحبت به إحدى الصحف البريطانية بطريقة تقليدية تماما في إنجلترا عندما كتبت عنوانا في صدر صفحتها الرئيسية يقول : "آرسين من؟".
والآن وبعد مرور 13 عاما على ذلك اليوم مازال المدرب الفرنسي آرسين فينجر مدربا لآرسنال ونجح خلال السنوات الماضية في قيادة الفريق إلى لقب الدوري الإنجليزي الممتاز ثلاث مرات ، من بينهم مرة الإنجاز المزدوج بإحراز لقبي الدوري والكأس في عام 1998 ، ولقب كأس إنجلترا أربع مرات ودرع اتحاد الكرة الإنجليزي (كوميونيتي شيلد) أربع مرات ومركز الوصيف في بطولتي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي.
واليوم الخميس أكمل فينجر عامه الستين ومازال فريقه يتمتع بكل الإمكانيات التي تؤهله للفوز بمختلف الألقاب وإن كان آرسنال لم يتمكن من إحراز أي لقب منذ أربعة أعوام.
ومع مرور كل هذه الأعوام دون إحراز أي تقدم على مستوى الألقاب ، كان يمكن لأي نادي آخر أن يقدم شكره ويعلن استغنائه عن خدمات فينجر مع البدء في البحث عن مدرب جديد يستطيع قيادة الفريق إلى نجاحات فورية.
ولكن مجرد بقاء فينجر في منصبه يدل على قدراته الكبيرة ومدى تقدير ناديه الإنجليزي له حيث أن آرسنال لم يجل بخاطره ولو للحظة واحدة فكرة الاستغناء عن فينجر.
وينتهي عقد فينجر الحالي مع آرسنال في عام 2011 ولكن وسط استعدادات فريقه للقاء فريق ألكمار الهولندي بدور المجموعات لبطولة دوري أبطال أوروبا والتي انتهت بالتعادل 1/1 في هولندا أمس الأول الثلاثاء أكد فينجر أنه لا توجد لديه أي نية لاعتزال اللعبة التي يحبها كثيرا.
ورغم الإغراءات العديدة التي واجهها فينجر في صورة عروض لتدريب أندية كبيرة مثل ريال مدريد وبرشلونة بخلاف منتخب إنجلترا نفسه ، فلطالما ظل فينجر مخلصا لآرسنال الذي يقوم فيه حاليا بإعداد جيل جديد من اللاعبين الشباب القادرين على إحراز الألقاب.
ويبدو الأمر طريفا الآن ولكن الفرنسي جيرار هوييه كان أول من رشح فينجر لتدريب آرسنال قبل أن يصبح هو نفسه مدربا لليفربول الإنجليزي في عام 1998 ، وسرعان ما حل فينجر بالفعل محل المدرب بروس ريوتش في تدريب آرسنال في أيلول/سبتمبر 1996 ومنذ البداية المبكرة نجح فينجر في وضع بصمته بالفريق رغم أنه لم يكن يوجد بين لاعبي النادي من سبق له أن سمع عن هذا المدرب من قبل.
وقال لي ديكسون أحد لاعبي خط الدفاع الأربعة الذين احتفظ بهم فينجر بالتشكيل الأساسي للفريق لسنوات عديدة بعد عدة سنوات من تعيين المدرب الفرنسي : "عندما وصل لم يكن أحد في الملعب يعرفه".
وأضاف : "بعدها أعلن عن اجتماع على أرض الملعب وعندما اكتمل حضور اللاعبين وقف أمامنا ذلك الرجل طويل القامة صاحب القوام الصلب الذي لم يبد عليه من أي ناحية أنه مدرب لكرة القدم".
وجاء فينجر على النقيض تماما لمدربين آخرين مثل جورج جراهام الذي قاد آرسنال للقب الدوري الإنجليزي عام 1989 ولكن كرة القدم التي كان يقدمها الفريق تحت قيادته لم تكن جذابة على الإطلاق.
ومع عدم المساس بخط الدفاع ، فقد بنى فينجر فريقا يقدم أداء سلسا ومبهجا وأضاف العديد من النجوم العالميين إلى قائمة النجوم التي وجدها بالفعل في آرسنال عند وصوله.
وامتد تأثير فينجر ، هاديء الكلام ، إلى خارج الملعب حيث نجح في تغيير وجه الكرة البريطانية عندما انتشلها من ثقافتها الخمورية وأضاف خبراء التغذية واللياقة البدنية إلى فريق العمل بالنادي.
وبسبب نشأته في حانة بمدينة ستراسبورج الفرنسية ، فقد كان فينجر على دراية تامة بكل التأثيرات الخطيرة للكحوليات وخاصة على لاعبي كرة القدم المحترفين وأصر على "ألا تلمس نقطة خمر واحدة شفاة أي من اللاعبين". وبدأ اللاعبون في تناول الطعام سويا ، وكانت الروح التي خلقها بينهم عاملا حاسما في نجاحهم الذي جاء على الفور.
وساعد فينجر قائد آرسنال آنذاك توني آدمز عندما اعترف هذا الأخير بمشاكله مع الكحوليات وجاءت استجابة اللاعبين لتأثير فينجر عن طريق تقديمهم ذلك النوع من كرة القدم الذي لم يكن باقي لاعبي الفرق الأخرى يفعلون أمامه أكثر من حسدهم عليها.
وجمع آرسنال بين لقبي الدوري والكأس الإنجليزيين تحت قيادة فينجر في 1998 ، وعاد للفوز بلقب الدوري الممتاز في عامي 2002 و2004 بينما كان من بين النجوم المتميزين الذي مثلوا النادي الإنجليزي خلال فترة تدريب فينجر له كل من دينيس بيرجكامب وباتريك فييرا وتييري هنري وإيان رايت.
وتصدى فينجر إلى الألعاب الذهنية التي مارسها معه بعض المدربين الآخرين مثل سير أليكس فيرجسون المدير الفني لمانشستر يونايتد ، ويبدو آرسنال الآن قادر من جديد على إحراز الألقاب مع وجود لاعبين مثل أندري أرشافين وثيو والكوت وجاك ويلشاير وروبن فان بيرسي وقائد الفريق سيسك فابريجاس بين صفوفه ويستطيع جميع هؤلاء اللاعبين أن يخلدوا أسماءهم في إرث آرسنال طوال السنوات المقبلة.
ولكن أي كان النجاح الذي يستطيع هؤلاء النجوم تحقيقه منذ هذه اللحظة فقد نجح فينجر بالفعل في تخليد اسمه بتاريخ كرة القدم خاصة وأنه يبدو دائما وأنه لديه المزيد.
ويقول فينجر : "مادمت أتمتع بكامل صحتي ، أريد أن أواصل العمل طالما حييت ولكن بقدر إمكانياتي .. لا يجب أن يكون العمل بدنيا دائما ، ولكنه يمكن أن يكون ذهنيا. لا أعرف إلى متى سأظل مدربا للفريق ، ولكنني سيكون علي من الآن وصاعدا أن أعيد تقييم استمراري في العمل كل عامين لأن هذه الوظيفة تحتاج التدريب العملي باستمرار".
ويضيف : "إنني أعمل في وظيفة تتطلب منك دائما أن تنظر أمامك ، ولسوء الحظ أنك كلما تقدمت في العمر تصبح المسافة الموجودة أمامك أقصر ولكن كرة القدم ممتعة حقا خاصة عندما يكون لديك فريق مثل فريقي الحالي. تعرفون أن هذا الفريق يتمتع بإمكانيات كبيرة والأمر كله يعتمد علي الآن في استخراج هذه الإمكانيات من داخله".