خطبة الجمعة4 الاخلاق المحمدية 10 ذي الحجة 27/11/2009
الحمد لله القوي الحليم، يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُطاع فيشكر، ويُعصى فيغفر، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد:
أن لذوى الأخلاق الفاضلة منزلة عالية . ففى الحديث الصحيح
" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً "
" إن من أحبكم إلىّ وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً "
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البر , فقال : " حسن الخلق"
وسئل عن آى الأعمال أفضل فقال : " حسن الخلق"
ومن هنا كان إكتساب الأخلاق الفاضلة خيراً من إكتساب الذهب والفضة , والأموال الطائلة.
والطريق إلى ذلك هو الائتساء بالنبى الحبيب صلى الله عليه وسلم ,
إذ هو المثل الأعلى فى الأخلاق , ولذا كان إيرادنا للأخلاق المحمدية من حمل المسلم
لإكتساب تلك الأخلاق المحمدية الفاضلة , ودفعاً له على التجمل والتحلى بها .
ليكمل بها ويفضل ويشرف عليها , بعد أن عرف صاحبها , وعرف كمالاته الذاتية والروحية,
وقوى إيمانه به نبياً ورسولاً تجب طاعته ومتابعته وتعظيمه ومحبته وتوقيره .
وها هنا نماذج من تلك الأخلاق فلننظر إليها , ولنوطن النفس على إكتسابها والتخلق
الصادق بها .
وهاأنذا سأبدأ .....
**الكرم المحمدى **
إن الكرم المحمدى كان مضرب الأمثال , وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً
وهو واجد ما يعطيه .
فقد سأله رجل حلّةٌ كان يلبسها , فدخل بيته فخلعها , ثم خرج بها فى يده وأعطاه إياها .
ففى صحيح البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله رصي الله عنهما قال : ما سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً عن الإسلام
إلا أعطاه , سأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين , فأتى الرجل قومه فقال لهم يا قوم أسلموا
فإن محمداً يعطى عطاء من لا يخاف الفاقة .
إن كان الرجل ليجىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا , فما يمسى
حتى يكون دينه أحبً إليه وأعز من الدنيا وما فيها .
وحسبنا فى الإستدلال على كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البخارى
عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن جود الرسول وكرمه فقال :
كان رسول الله أجود الناس , وكان أجود ما يكون فى شهر رمضان حين يلقاه جبريل
بالوحى فيدارسه القرآن , فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة , بمعنى أن عطاءه دائم
لا ينقطع بيسر وسهوله وها هى ذى أمثلة لجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم .
* حُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير , ثم قام إليها يقسمها فما ردّ سائلاً
حتى فرغ منها .
* أعطى العباس رضي الله عنه من الذهب ما لم يطق حمله .
* أعطى معوذ بن عفراء ملء كفّه حلياً وذهباً لما جاءه بهدية من رطب وقثاء .
* جاءه رجل فسأله فقال : " ما عندى شىء ولكن إبتع علىّ فإذا جاءنا شىء قضيناه "
وكيف لا يكون الحبيب صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجودهم على الإطلاق , وهو القائل :
" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان يقول أحدهما اللهم إعط منفقاً خلفاً , ويقول الآخر
اللهم إعط ممسكاً تلفاً " .
والقائل أيضاً : " يقول الله تعالى : ابن آدم أنفق أنفق عليك "
وقد نزل عليه قول ربه : { وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }
سورة سبأ آية : 29
*** الحِلْــــــــــــمُ المحمّــــــــــــــدى ***
إن الحلم وهو ضبط النفس حتى لايظهر منها مايكره قولاً كان أو فعلاً عند الغضب,
ومايثيره هيجانه من قول سيئ أو فعل غير محمود.هذا الحلم كان فيه الحبيب صلي الله عليه وسلم مضرب المثل.والأحداث التالية شواهد لحلمه فداه أبي وأمى
وصلي الله عليه وسلم ,وذلك لتربية الله تعالى له, وإفاضته الكمالات على روحه
صلي الله عليه وسلم.
*لما شجت وجنتاه وكسرت رباعيته ودخل المغفر فى رأسه صلي الله عليه وسلم
يوم أحد قال:"اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "فهذا منتهى الحلم والصفح
والعفو والصبر منه صلي الله عليه وسلم .
*لما قال له ذو الخويصرة أعدل فإن هذه قسمة ماأريد بها وجه الله, حلم عليه وقال له:"ويحك فمن يعدل إن لم أعدل "ولم ينتقم منه ولم يأذن لأحد من أصحابه لذلك.
*لما جذبه الأعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثرت فى صفحة عنقه صلي الله عليه وسلم وقال احمل لي علي بعيرى هذين من مال الله الذى عندك ,فإنك لا تحمل لي
من مالك ومال أبيك ,حلم عليه صلي الله عليه وسلم ولم يزد أن قال :" المال مال
الله وانا عبده, ويقاد منك ياأعرابى مافعلت بي " فقال الأعرابى :لا ,
فقال النبي صلي الله عليه وسلم:"لم؟"قال:لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة ,
فضحك صلي الله عليه وسلم,ثم أمر أن يحمل له علي بعير شعير,وعلى آخر تمر,
فأى حلم وأى كمال هذا ياعباد الله؟؟؟؟
*لم يثبت إنه صلي الله عليه وسلم انتصر لنفسه من مظلمة ظلمها قط ,ولا ضرب خادماً ولا إمرأة قط. بهذا أخبرت عائشة رضى الله عنها ,فقالت:مارأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظلمها قط , مالم تكن حرمة من محارم الله , وماضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد فى سبيل الله ,وماضرب خادماً قط
ولا إمرأة .
*وجاءه زيد بن سعنة أحد أحبار اليهود بالمدينة , جاءه يتقاضاه ديناً له علي النبي
صلي الله عليه وسلم فجذب ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وقال مغلظاً القول :
إنكم يابنى عبد المطلب مطل فانتهزه عمر ,وشدد له فى القول ,والنبي صلي
الله عليه وسلم يبتسم ,وقال صلي الله عليه وسلم:"أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك ياعمر ,تأمرنى بحسن القضاء , وتأمره بحسن التقاضي "
ثم قال :"لقد بقي من أجله ثلاث",وأمر عمر أن يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعاً لما روعه ,فكان هذا سبب إسلامه فأسلم ,وكان قبل ذلك يقول:مابقي من علامات النبوة شئ إلا عرفته فى محمد صلي الله عليه وسلم إلا اثنين لم أخبرهما:
يسبق حلمه جهله ,ولا تزيده شدة الجهل إلا حلماً فاختبره بهذه الحادثة فوجده
كما وصف .هذه قطرة من بحر الحلم المحمدى تذهب ظمأ من أراد أن يتحلي
بالحلم ويتجمل به.
** الأداب المحمدية **
لقد كان صلى الله علية وسلم يتجمل بالآداب التالية ويتحلى بها وهي :
أولاً : غض الطرف فلا يتبع نظره الأشياء , وكان جلّ نظره الملاحظة
فلا يحملق إذا نظر,ونظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء.
ثانياً :إذا مشي مع أصحابه يسوقهم أمامه فلا يتقدمهم ,ويبدأ من
لقيه بالسلام.
ثالثاً :إذا تكلم يتكلم بجوامع الكلم ,كلامه فصل ,لافضول ولا تقصير
أى على قدر الحاجة, فلا زيادة عليها ولا نقصان عنها .وهذا من الحكمة
وكان يقول:"من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه "ويقول:"من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ".
ويبدأكلامه ويختمه بأشداقه من أجل أن يسمع محدثه ويفهمه لا يتكلم فى
غير حاجة ,طويل السكوت .
رابعاً :متواصل الأحزان ,دائم الفكر, ليست له راحة ,دمث الخلق ,ليس
بالجافى ولا المهين ,يعظم النعمة وإن دقت ,لايذم منها شيئاً ولا يمدحه .
خامساً :لاتغضبه الدنيا وماكان لها ,فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد ,
ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له,ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
سادساً:إذا غضب أعرض وأشاح ,وإذا فرح غض طرفه ,جلّ ضحكه
التبسم,ويفتر عن مثل حبّ الغمام.
سابعاً :إذا تكلم تكلم ثلاثاً ,وإذا استأذن استأذن ثلاثاً ,وذلك ليعقل عنه
ويفهم مراده من كلامه نظراً إلى ماجوب عليه من البلاغ .
ثامناً: كان يشارك أصحابه فى مباح أحاديثهم ,إذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم ,
وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم , وإذا ذكروا طعاماً أو شراباً ذكره معهم .
تاسعاً:كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبي بيديه ,وإذا جلس للأكل نصب رجله
اليمنى وجلس على اليسرى .
عاشراً:كان لا يعيب طعاماً يقدم إليه أبداً, وإنما إذا أعجبه أكل منه ,وإن لم يعجبه
تركه, هذه الآداب مجملة , وكلها يمكن به فيها ,وهو غاية الطلب ,وبغية أولى الأرب.
اللهم كملنا وجملنا بأخلاق وأداب سيدنا محمد أقول قولي واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم
الخطبة الثانية والدعاء