هو الإمام الحافظ الفقيه المحدث ، ناصر السنة ، وقامع البدعة ، محي الدين ، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي .شيخ المذاهب وكبير الفقهاء في زمانه[/size]
في نوى - من أرض حوران بسوريا - سنة ( 631 ) هـ . وكان حزام جده الأعلى نزل الجولان بقرية نوى على عادة العرب ، فأقام بها ، ورزقه الله تعالى ذرية إلى أن صار منهم عدد كبير ، فكان منهم هذا الإمام .
[justify]رآه بعض أهل الفضل في بلده وهو صبي ، فتفرس فيه النجابة والذكاء ، واجتمع بأبيه ووصاه به ، وحرّضه على حفظ القرآن والعلم فبدأ يحفظ القرآن ، وأخذ يتأدب على أيدي أهل الفضل ، تاركاً اللهو واللعب ، مقبلاً على قراءة القرآن وحفظه ،
قال السخاوي في كتابه: (المنهل العذب الروي، في ترجمة القطب الأولياء النووي) في سياق كلامه ثناء العلماء على الإمام النوويّ:
والحافظ الشمس الذهبيّ، قال في: (سير النبلاء): الشيخ الإمام القدوة، الحافظ، الزاهد العابد، الفقيه المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأيّام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان، إلى أن قال:
لازم الاشتغال والتصنيف، محتسبًا في ذلك، مبتغيًا وجه الله تعالى، مع التعبد، والصوم والتمجد، والذكر والأوراد، وحفظ الجوارح، وذمّ النفس، والصبر على العيش والخشن، ملازمة كلية، لا مزيد عليها، وكان مع ملازمته التامة للعلم، ومواظبته لدقائق العمل، وتزكية النفس من شوائب الهوى، وسيء الأخلاق، ومحقها من أغراضها: عارفًا بالحديث، قائمًا على أكثر فنونه، عارفًا رجاله، رأسًا في نقل المذهب متضلعًا من علوم الإس
[justify][b][u]اجتهاده : كان يقرأ في كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه شرطاً وتصحيحاً ، درسين في "الوسيط " للغزالي ، ودرساً في "المهذب " للشيرازي ، ودرساً في " الجمع بين الصحيحين " للحميدي ، ودرساً في " صحيح مسلم " ودرساً في " اللمع " لابن جني ودرساً في "إصلاح المنطق " لابن السِّكِّيت ، ودرساً في التصريف ...... ودرساً في أصول الفقه ، ودرساً في أسماء الرجال ، ودرساً في أصول الدين ، وكان يعلق جميع ما يتعلق به من شرح مشكل ووضوح عبارة ، وضبط لغة ، وكان لا يضيع أوقاته إلا بالاشتغال في طلب العلم ، حتى إنه في ذهابه وإيابه في الطريق يشتغل في تكرار محفوظه ومطالعته ، مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه ، والعمل به بدقائق الورع ، وتصفية النفس من الشوائب ، حتى صار في وقت قصير حافظاً للحديث وفنونه ، عالماً بالفقه وأصوله ، وأصبح رأساً في معرفة مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ، وغيره من الأئمة . وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية الأولى والتدريس بها دون أن يأخذ من معلومها شيئاً .
وقد أسعف بالتأييد ، وساعدته المقادير ، فقرَّبت منه كل بعيد ، فكان يجد مع الأهلية ثلاثة أشياء ، أحدها : فراغ البال واتساع الزمان ، وكان رحمه الله قد آوتي من ذلك الحظ الأوفر ، حيث لم يكن له شاغل . الثاني : جمع الكتب التي يستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء . الثالث : حسن النية وكثرة الورع والزهد والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها ، وكان رحمه الله قد اكتال بذلك من المكيال الأوفى ، فكان ذلك الانتاج العظيم في عمره القصير الذي لم يتجاوز ( 45) عاماً ، ولكنه كان مليئاً بالخير والبركة .
مسموعاته :
سمع على مشايخه الكتب الستة ، صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن أبي داود ، سنن الترمذي ، سنن النسائي ، سنن ابن ماجه ، وموطأ الإمام مالك ، ومسند الإمام الشافعي ، ومسند أحمد بن حنبل ، وسنن الدارمي ، ومسند أبي يعلى الموصلي ، وصحيح أبي عوانة ، وسنن الدار قطني ، وسنن البيهقي ، وشرح السنة للبغوي ، ومعالم التنزيل في التفسير للبغوي أيضاً ، وعمل اليوم والليلة لابن السنى ، والجامع لآداب الراوي والسامع للخطيب البغدادي ، والرسالة القشيرية والأنساب لل------ير بن بكار ، وأجزاء كثيرة .
صفاته وأخلاقه : كان رحمه الله على جانب كبير من العلم والعمل والورع والزهد والصبر على خشونة العيش ، والمصابرة على أنواع الخير ، لا يعرف ساعة في غير طاعة ، يتقوت من جراية المدرسة الرواحية ، ومما يأتيه من بلده من عند أبويه ، وكان يتصدق منها أحياناً ، وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، وكان عليه سكينة ووقار في البحث مع العلماء وغيرهم ، متابعاً للسلف الصالح من أهل السنة والجماعة ، وكان كثير التلاوة للقرآن ، ذاكراً الله عز وجل ، معرضاً عن الدنيا ، مقبلاً على الأخرة .
تصانيفه : تصانيفه كثيرة ، منها " شرح صحيح مسلم " و " الإرشاد " و " التقريب " في عموم الحديث ، و " تهذيب الأسماء واللغات " و :
" المناسك الصغرى " و " الكبرى " و " منهاج الطالبين " و " بستان العارفين " و " خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام " و " روضة الطالبين في عمدة المفتين " و " شرح المهذب " و " رياض الصالحين " و "حلية الأبرار وشعار الإخيار في تلخيص الدعوات والأذكار " وهو المعروف بالأذكار للنووي و " التبيان في آداب حملة القرآن " وهو كتابنا هذا الذي نقدم للقراء وغير ذلك من المؤلفات المفيدة والمصنفات النافعة .
وفاته رحمه الله : [سافر في آخر عمره إلى بلده نوى ، وزار القدس والخليل ، ثم رجع إلى نوى فمرض عند أبويه ، وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء لست بقين من شهر رجب سنة ( 676 هـ ) ودفن ببلده نوى ، وقبره مشهور بها ، وكان لنبأ وفاته وقع أليم على دمشق وأهلها ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وأعلى درجاته في الجنان . جماعة، منهم محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإِربلي، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين بيتاً:
عزَّ العزاءُ وعمَّ الحــادث الجلــل *** وخاب بالموت في تعميرك الأمل
واستوحشت بعدما كنت الأنيـس لهـا *** وساءَها فقدك الأسحارُ والأصـلُ
وكنت للدين نوراً يُستضاء به مسـدَّد *** منـك فيــه القولُ والعمــلُ
زهدتَ في هــذه الدنيا وزخرفـها *** عزماً وحزماً ومضروب بك المثل
أعرضت عنها احتقاراً غير محتفل *** وأنت بالسعـي في أخـراك محتفل
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من العلم، لا زال العالم الإسلامي يذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
رحم اللّه الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجمعنا به تحت لواء سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم. [/size]