من الآداب الإسلامية الكريمة ، والأخلاق الإنسانية الفاضلة ما يُسمى ( المروءة ) التي كثُرت تعاريفها ، وتعددت معانيها حتى اختُلفَ في تحديد تعريفٍ موحّدٍ لها . فقد عَُرِّفت بأنها : " استعمال كل خُلقٍ حسنٍ ، واجتناب كل خُلقٍ قبيح "( 9 : 51) .
وجاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سُئل عن المروءة فأجاب : " أن لا تعمل في السرِّ شيئاً تستحي منه في العلانية " ( 11 : 245 ) .
كما ورد في تعريفٍ آخرٍ أن المروءة تعني :" اجتناب الرجل ما يشينه ، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه " ( 8 : 131 ) .
وقيل إن المقصود بالمروءة : " أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها " ( 9 : 38 ) .
كما ورد عن أبي حاتم البُستي قوله : " والمروءة عندي خصلتان : اجتنابُ ما يكره الله والمسلمون من الفِعالِ ، واستعمالُ ما يُحب الله والمسلمون من الخِصال " ( 12 : 232 ) .
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد ، ولا تختلف إلا على مستوى التعبير .
وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريفٍ محددٍ لها دليلٌ واضحٌ على سمو منـزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خُلقٌ كريم ، وسلوكٌ قويم ، وفضيلةٌ من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظراً لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها " المروءةُ اسمٌ جامعٌ للمحاسن كلِّها " ( 8 : 134 ) .
ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحُسن السلوك ، وتمام الخُلق الإنساني الرفيع . وصدق من قال :
إنـي لتُطرِبُني الـخِلالُ كريمةً *** طرَبَ الغريبِ بأوبـةٍ وتلاقي
وتـهزُّني ذكرى المروءةِ والندى *** بين الشمائل هِـزَّةَ المـُشتاقِ
وليس هذا فحسب فهي خصلةٌ إنسانيةٌ رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلالٍ وجمالٍ وكمالٍ في الخُلق ، وهي إلى جانب ذلك كله من خِصال الرجولة المحمودة ؛ فقد جاء في لسان العرب أن " المروءة : كَمالُ الرُّجُولِيَّة " ( 14 : 154 ) . وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملةً من الرجال فقد كمُلت رجولته و علا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتُقى **** وحوى مع الأدب الحياء فقد كمُل
كما أن من كانت مروءتها كاملةً من النساء فقد كمُلت أُنوثتها ، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح الأمر بين الزوجين ، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال : " ما أعان على مروءةِ المرءِ كالمرأةِ الصالحة " ( 8 : 135 ) . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منـزل المرءِ حُرَّةٌ *** مُدبِّرةٌ ضاعتْ مروءةُ داره
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- : حسب المرء دينه، وكرمه تقواه، ومروءته عقله
وقال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – : المروءة حفظ الرجل نفسه، وإحرازه دينه، وحسن قيامه بصنعته، وحسن المنازعة، وإفشاء السلام
وقال الإمام الزهري: المروءة اجتناب الريب، وإصلاح المال، والقيام بحوائج الأهل.
وقال بعضهم المروءة هي:(( صدق في اللسان واحتمال للعثرات وبذل للمعروف وكف للأذى وصيانة للنفس وطلاقة للوجه، المروءة من خصال الرجولة فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة ، المروءة من أخلاق العرب التي يقيسون بها الرجال ويزنون بها العقول حقا000هي كلمة لها مدلولها الكبير الواسع فهي تدخل في الاخلاق والعادات والاحكام والعبادات
ولذا أختم هذه الحلقة بقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الذي يدل على عظيم رجولته وكمال إنسانيته واهتمامه بالمروءة اهتماماً بالغاً فيقول:
والله لو كان الماء البارد ينقص من مروءتي لشربته حاراً.
لله درك ، ورحمك الله تعالى رحمة واسعة ، أي نفس كانت تسمو بين جنبيك ، وأي كمال بشري كنت تسعى إليه، كمال لا يسعى الناس في زماننا إلى عشرها أو أقل من عشرها.
في المقال القادم _إن شاءالله _ نتكلم عن آداب المروءة ومجالاتها
والسلام عليكم ورحمة الله