إخواني وأخواتي
أرجو منكم المساهمة في إبداء الرأي حول حدود تعامل الأبناء مع أبائهم ومتى يجوز للإبن معاداة أبيه, ومتي يجوز للأخ معاداة أخيه ، وبيان حكم الشرع في ذلك.

قال الله تعالى :
{‏ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون‏}
فإن أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل عقوق الوالدين ، ففي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال ‏النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك ‏بالله، وعقوق الوالدين .. الحديث
إذا كان بالهجر والقطيعة الذي هو من الكبائر في حق غير الوالدين ففي حق الوالدين أشد ، وهو أيضا من أشد قطيعة الرحم ، فكما أن صلة الوالدين أعظم الصلة ، فإن قطعهما أعظم القطع ، وقد قال الله عز وجل : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22-23}. وفي الحديث: لا يدخل الجنة قاطع . أي قاطع رحم. رواه البخاري.
فالوالدان لا يجوز هجرهما بحال حتى وإن كانا كافرين ، ولا يحل تحت أي مبرر هجرهما والامتناع عن كلامهما
ولكن يهجران في (المعصية فقط،) ويستمر البر بهما في بقية الأوقات، ويجوز التقليل من مخالطتهما بالقدر الذي يدفع عن الولد فتنة الدين.
وليُعلم أنه يسن هجرة أهل المعاصي في الجملة، ويجب أحياناً، أما الوالدان، فلهما حق زائد عن بقية الناس، فيهجران في المعاصي التي يفعلانها ويستمر البر بهما في بقية الأوقات، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا [لقمان:15
وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمت على أمي وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ قال : (( نعم صلي أمك )) متفق عليه
فإن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله أو أمراك بترك فريضة أو فعل معصية فلا تطعهما ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً ، أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة ، ولو كانا كافرين أو فاسقين ؛ لأن لهما حق القرابة . ولا ننسَ بالإحسان الذي
أمرنا الله به تجاههما
فقال تعالى " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " العنكبوت
جزاك ِ الله الجنة والسعادة وزادك حرصاً على معرفة الحلال والحرام ودمتِ بخير

أما سؤالك أختي الكريمة : متى يجوز هجر المسلم لأخيه المسلم

فالأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض ‏هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"‏ رواه البخاري ومسلم
‏ وقد اعتبر السلف وجمهور الأئمة الابتداع في العقائد من الأسباب المشروعة للهجر، ‏وأوجبوا هجران أهل الأهواء من المبتدعة، الذين يجاهرون ببدعهم أو يدعون إليها.‏
وقال الإمام مالك: (ويُهجر أهل الأهواء والبدع والفسوق لأنّ الحبّ والبغض فيه_ أي في الله _ واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق) . الذخيرة 13/313 .

‏ وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر : أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية .‏
‏ كما يجوز هجران أصحاب المعاصي المجاهرين بها، كما هجر ‏النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك من غير عذر، كما في قصة كعب بن ‏مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم.‏

‏ ويجوز الهجر _فوق ثلاث _للزوجة الناشز (في المضجع فقط)، وليس في ‏كل الأحول، كما قال تعالى
واهجروهن في المضاجع ) [ النساء :34]بعد العظة ‏والنصيحة وبالجملة فإن الهجر علاج، ولا يصار إليه إلا إذا تحقق أو غلب على الظن أن ‏هجر المهجور أنفع - في الجملة - من وصله، فإن كان العكس لم يشرع الهجر، لأن ‏الحكم يدور مع علته وجوداً ‏
وعدماً.‏ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه شهراً . رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم
فمن ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة وتظاهر بالمظالم والفواحش أو دعى إلى البدع والمخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة فيجوز هجره لأنّ هذا من باب إنكار المنكر وقد قال صلى الله عليه وسلم" من رأى منكم منكراً فليغره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "رواه مسلم

ولكن يجب أن ننتبه لأمر مهم وخطير جداً وهو : أنه يجب هجرة هؤلاء للـــــــــــــــــــــــــــه وليس لحظ نفسي أو غرضٍ شخصي أو منفعة دنيوية
فالهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين

فينبغي أن نفرّق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه فالأول مأمور به والثاني منهي عنه لأن المؤمنين إخوة

وخلاصة الأمر أنّ على المسلم إن رأى من أخيه معصية فعليه أن ينصحه بالحكمة والموعظة الحسنة فإن استجاب فبها ونعمتْ وإن لم يستجب فيجوز له أن يهجره إلى أن يقلع عن المعصية

مشكور أخي الفاضل
بارك الله بك ، وزادك من فضله
فإن تخاصمت أمي وأختي فمع من أقف

قفي مع صاحب الحق فالحق أحق أن يُتبع ويُنصر
ولكن إذا كان الحق ضد والدتك فاحرصي على عدم إزعاجها أو غضبها
وحاولي تبيين ماهي عليه من خطأ بهدوء وحكمة ولين وأدب لأن ّ حق الأم كبير وفضلها عظيم
وطاعتها واجبة وإكرامها من الدين

مشكور على الرد