قيمة الوقت وأهميته
في الإســــلام
كثير من الخلق يجهلون قيمة الوقت الذي منحهم الله اياه، ولا يدركون أنه ثروتهم المعنوية الوحيدة ورصيدهم الروحي الكبير، فيصرفونه دون حساب في أنواع المعاصي وصنوف اللهو، ويضيعونه في القيل والقال وكثرة الجدال والثرثرة واللغو، متناسين أنهم مسؤولون عن كل ذلك يوم الحساب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع..< وذكر منها (عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه) رواه الترمذي.
لقد جعل الله تعالى حياتنا في هذه الدنيا عبارة عن جملة محدودة من الدقائق والثواني، وحضنا على الانتفاع بكل جزء من أجزائها بمزيد من الإخلاص، وحذرنا من كل ما يعوق سيرنا أو يؤدي بنا إلى التثاقل، ونبهنا إلى أنه سيحاسب كل من جنى على نفسه بجناية تضييع الوقت، وسيعرضه يوم القيامة لعقاب الخزي والندامة مصداقا لقوله تعالى: >قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فاسأل العادين، قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا تُـرجعون< سورة المؤمنون الآيات (112-115).
عندما وهبنا الله تعالى الحياة لم يجعلها هملاً دون غاية >أيحسب الإنسان أن يترك سدى< سورة القيامة آية (36) ولم يجعل الحياة مستمرة إلى ما لانهاية، بل جعل لها بداية ونهاية، ووضع بين أيدينا منهاجاً كاملاً وطريقة مثلى لنجعل من حياتنا المحدودة وأيامنا المعدودة رصيداً ثمينا نصرف كل جزء من أجزائه في العلم النافع والعمل الصالح، حتى إذا انتهت حياتنا الدنيا وجدنا أنفسنا قد فزنا في السباق بالميزان الراجح >يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً< سورة آل عمران آية (30).
إنّ الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مواقيت الأعمال ومقادير الآجال، فهي تنقضي جميعاً وتمضي سريعاً، فالليل والنهار يتراكضان تراكض البريد، ويقربان كل بعيد، فالأيام تـُـطوى والأعمار تفنى، والذي أوجدها وخصها بالفضائل هو باق لا يزول، هو إله واحد رقيب مشاهد يغدق على عباده صنوف العطايا ويسبغ عليهم فواضل النعم ويعاملهم بغاية الجود والكرم.
وقد أوجب الله على العبد في كل يوم من أيام حياته وظيفة من وظائف طاعته يتقرب بها إليه، فيه لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم الليالي والساعات وتقرب إلى الله بالطاعات، إن كل شهر يستهله الإنسان فإنه يدنيه من أجله ويقربه من آخرته، >وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره، وساء عمله< رواه أحمد والترمذي، وإنّ الإنسان بين أن يـُـثاب على الطاعة والإحسان أو يعاقب على الإساءة والعصيان كما قال تعالى: >ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين< سورة يونس آية (45).