نهفات .. ومواقف (المشاهير) ... (1)
عندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة . ولا أنسى حزنها عندما صادر السجان إبريق القهوة وسكبه على الأرض , ولا أنسى دموعها . لذلك كتبت لها اعترافا شخصيا في زنزانتي , على علبة سجائر , أقول فيه : أحنُ إلى خبز أمي .. وقهوة أمي .. ولمسة أمي .. وتكبر فيَ الطفولة .. يوما على صدر أمي .. وأعشق عمري لأني .. إذا مت .. أخجل من دمع أمي . وكنت أظن أن هذا اعتذار شخصي من طفل إلى أمه , ولم أعرف أن هذا الكلام سيتحول إلى أغنية يغنيها ملايين الأطفال العرب .
(( محمود درويش ))(2)
كنا 16 طالبا , بينهم خمسة أولاد سفراء , يعلم الجميع أن في مقدورهم ألا يأتوا أساسا إلى المدرسة . لكنهم يأتون كرما منهم ! . كان بينهم واحد , إذا غاب أحمل همه وأقلق عليه , لأنه الوحيد الذي تجعله علامته يأتي بعدي في الترتيب , عندما تعلن نتائج الامتحانات . كنت أخشى أن يغيب فأصبح أنا الأخير في الصف .
(( زياد الرحباني ))(3)
على الأتستراد الذاهب إلى قلب المدينة يندفع ميكروباص ووراءه سحابة كبيرة من الدخان الأسود السام , أشرت للمكروباص بيدي فتوقف . وفتح لي المعاون الباب متوقعا أني سأركب , ولكنني توجهت إلى الناحية الأخرى , حيث أحدث السائق , قلت له : ألا تنظر في المرآة إلى ما يحدث وراءك ؟ قال : ماذا يحدث ؟ قلت : هذه السحابة من الدخان السام ! قال مستغربا : وماذا تشتغل حضرتك ؟ قلت لا شيء .. لكن هذا الدخان مضر بالصحة . فقال : يعني لا أنت من الصحة ولا من الداخلية ولا من المرور ؟ قلت : لا . قال : ولا تريد أن تركب ؟ قلت أوقفتك لأنبهك من الدخان . ضغط على دواسة الوقود وهو يقول : أي تضرب بهالكسم , فاضي لغلاظتك هلق ؟
توجهت إلى الشرطي الواقف وقلت له ؟ ألا يمنع القانون دخول هذا الميكرو إلى المدينة ؟ قال : طبعا . قلت : لماذا لا تمنعه ؟ قال : سيدي حط بالخرج , مين داير . قلت : أنا وأنت وكل إنسان يجب عليه ..... ولم يعطني الفرصة كي أكمل محاضرتي , بل صرخ : هلق حضرتك جاي تفهمني شغلتي ؟ شرَف , خود بدلتي ووقف محلي ! حاولت أن أوضح له أنني لا أريد أن أحل محله , بل أريد ..... لكنه لم يعطني الفرصة , بل صرخ بغضب : بتروح من هون وإلا بنزعلك صباحك ؟! ........
(( مذكرات ممدوح عدوان ))(4)
في أثناء استقبال إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني عام 1898م في دمشق , لاحظت الإمبراطورة حمارا أبيض , فاستلفت نظرها وطلبت إلى الوالي أن يأتيها به , لكي تأخذه معها ذكرى , فراح الوالي يبحث عن صاحبه . فعلم أنه يخص أبا الخير أغا . وكان الأغا من وجوه بلدته , ويفاخر دائما بأن له حبيبين : الحمار وحفيده حسني ! . استدعى الوالي أبا الخير , وطلب إليه إهداء الحمار إلى الإمبراطورة , فاعتذر . فعرض عليه شراءه منه , فأصر على الرفض , ولما اشتد الوالي في الإلحاح , أجابه أبو الخير : يا أفندينا , إن لدي ستة رؤوس من الخيل الجياد , إن شئت قدمتها كلها للإمبراطورة هدية مني , أما الحمار فلا ! . استغرب الوالي هذا الجواب , وسأله : لماذا ؟ قال : سيدي إذا أخذوا الحمار إلى بلادهم ستكتب جرايد الدنيا عنه , ويصبح الحمار الشامي موضع نكتة وربما السخرية , فيقول الناس , إن إمبراطورة ألمانيا لم تجد في دمشق ما يعجبها غير الحمار , ولذلك لن أقدمه إ ليها , ولن أبيعه !. ونقل الوالي الخبر إلى الإمبراطور وزوجته , فضحكا كثيرا , وأعجبا بالجواب , وأصدر الإمبراطور أمره بمنح أبي الخير وساما , فسمَاه ( وسام الحمار ) .
..........
(( مذكرات البارودي ))