المنجم يرتبط في الأذهان باستخراج بعضخيرات الأرض وحصول النعمة والثراء، والغالب أن يكو المنجم مختصاً بنوع واحد من تلكالخيرات، فكيف إذا احتوى أكثر من نوع، وكلُّها غالية الثمن نفيسة القيمة عظيمةالنفع؟! وكيف إذا كان استخراج تلك الكنوز سهلاً ميسوراً لكل أحدِ دون حاجة لتخصصدقيق، ولا جهد كبير !! لا شك أن الجميع سيكونون حريص ن على أن يكون لهم النصيبالأعظم من كنوز المنجم الثمينة .
المنجم أمامعينيك، وتحت قدميك، وبين يديك، وهو طوع أمرك، ورهن إشارتك، ألست تراه؟، ألا تبدو لككنوزه المتنوعة؟، ألا تغريك ثروته الغالية؟، انتبه... ما لك؟! ألا تُبصر الجموعالغفيرة تُقبل عليه وتأخذ منه؟، ألم يتكرر هذا المشهد أمامك كثيراً؟!، إنهمنجمُ...لا لن أسميه لك بل سأنتقل إلى عرض بعض كنوزه فذلك أولى وأجدى
.كنز الفضائل والخصائص :
* مغفرة : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) [ متفق عليه ] . * تكفير : ( فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاةوالصيام والصدق ) [ متفق عليه ] . * وقاية : ( الصيام جنة وحصن حصين من النار ) [ رواه أحمد ] . * مثوبة : ( الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها ) [ رواه البخاري ] . * خصوصية : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منهالصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم ) [ متفق عليه ] . * شفاعة : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ) [ رواه أحمد ] . * فرحة : ( للصائمفرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ) [ رواه مسلم ] . * تفرد : ( عليكبالصوم فإنه لا مثل له ) [ رواه النسائي ] . كنز القرآن والتلاوة :
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُهُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [ البقرة:185] ،عن عبدالله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إنيمنعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل، فشفعنيفيه، قال: فيشفعا ) [ رواه أحمد ] .
كنز الصلاةوالقيام :
{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَعَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } [ الإسراء:79 ]، عن أبيهريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لهما تقدم من ذنبه ) [ متفق عليه ] . كنزالذكر والدعاء:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِإِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة:186] ، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لاترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم ) [ رواه الترمذي ] .
كنز الجود والإنفاق :
عن ابن عباس رضي اللهعنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكونفي رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخيعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجودبالخير من الريح المرسلة ) [ متفق عليه
] .الصبر :
« من حكم الصيام وفوائدهالعظيمة تقوية الإرادة في النفوس تلك الركيزة العظيمة التي عمل رجال الاجتماعوأصحاب التنظيم العسكري على تقويتها في المجتمع هذا الزمان، وقد سبقهم الدينالإسلامي على ذلك منذ أربعة عشر قريناً تقريباً، وما أحوج المسلم إلى أن يكون قويالإرادة صادق العزيمة » (1) « الصوم تقوية للإرادة، وتربية على الصبر، فالصائميجوع وأمامه شهي الغذاء، ويعطش وبين يديه بارد الماء، ويعفُّ وبجانبه زوجته، لارقيب عليه في ذلك إلا ربه، ولا سلطان إلا ضميره، ولا يسنده إلا إرادته القويةالواعية، يتكرر ذلك نحو خمس عشرة ساعة أو أكثر في كل يوم، وتسعة وعشرين يوماً أوثلاثين في كل عام، فأي مدرسة تقوم بتربية الإرادة الإنسانية وتعليم الصبر الجميل،كمدرسة الصيام التي يفتحها الإسلام إجبارياً للمسلمين في رمضان، وتطوعاً في غيررمضان ؟! » . (2)
كنز القوة والحرية :
« صومرمضان من هذا الوجه إن هو إلا منهاج يتدرب به المرء على تحرير نفسه والانسحاب بهامن أَسْر المادة وظلمة الشهوة، ليحيا ما شاء الله في ملكوت الحياة الحق ويكون له ماشاء الله من خصائص الخير والفضيلة، فالحرية الصحيحة لا يذوقها ولا يقدرها إلا منحيي هذه الحياة » (3) « فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه، وينطلقمن سجن جسده، وتغلب على نزعات شهوته، ويتحكم في مظاهر حيوانيته، ويتشبه بالملائكة » (4)
آه: « رمضان الذي تتحقق فيهمعاني الإنسانية، وتكون المساواة بين الناس، فلا يجوع واحد ويتخم الآخر، بل يشتركالناس كلهم في الجوع وفي الشبع، غنيهم وفقيرهم، فيحس الغني بألم الجوع ليذكره منبعد إذا جاءه من يقول له: أنا جوعان، ويعرف الفقير نعمة الله عليه، حين يعلم أنالغني يشتهي - على غناه - رغيفاً من الخبز أو كأساً من الماء » (5) « فقرٌإجباريٌ يراد به إشعار الإنسانية بطريقة عملية واضحة كلَّ الوضوح، أن الحياةالصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس فيالشعور لا حين يختلفون، وحين يَتعاطَفُون بإحساس الألم الواحد، لا حين يتنازعونبإحساس الأهواء المتعددة » ، « ويجعل الناس فيه سواءً : ليس لجميعهم إلا شعور واحدوحس واحد وطبيعة واحدة ويُحكِم الأمر فيحول بين هذا البطن وبين المادة » (6)
كنز الخلق والسلوك :
« المقصود منهالسمو بالنفس إلى المستوى الملائكي، وصون الحواس عن الشرور والآثام، فالكف عنالطعام والشراب ما هو إلا وسيلة إلى كف اللسان عن السب والشتم والصخب، وإلى كف اليدعن الأذى، وإلى كف البصر عن النظرة الخائنة، وإلى كف السمع عن الإصغاء للغيبةوالنميمة والقول المنكر » (7)
« فألزمه سبحانه الصوم حتى إذا جاع وظمئ ذلّتنفسه، وانصدع كبره وفخره، وأحس أنه - مهما أوتي - فهو مسكين تُقعده اللقمة إذافُقدت، وتُضعفه جرعة الماء إذا مُنعت، هنالك يُطامن من غروره، ويعترف بفضل اللهعليه حتى في كسرة الخبز ورشفة البحر، ومتى عرف الله خافه، ومتى خافه استقام علىالطريقة، وسار على الجادة، وترك ما كان فيه من بغي واستطالة وعلو في الأرض بغيرالحق، وآثر رضوان الله على ترضية نفسه وصار رسول رحمة وسلام لكل من حوله من أبناءالإنسانية » (8)
وخذ أخيراً هذه الكلمات الجامعة: « للصوم فوائد: رفعالدرجات، وتكفير الخطيئات، وكسر الشهوات، وتكثير الصدقات، وتوفير الطاعات، وشكرعالم الخفيات، والانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات » (9) ثم ماذا أيها الأخالحبيب ؟ دونك الكنوز تتلألأ، والثروة تتهيأ، فماذا أنت فاعل؟!
* صل رحمك، وزر أقاربك،واعف عمن أخطأ، وتجاوز عمن هفا، واجمع أهل حي، وتقرب من جيرانك، وكرر اللقاءبإخوانك، وخص بمزيد من الود والحب والوصل أهلك وزوجك وأبناءك .
* اجعل لنفسكمع أهل بيتك برنامجاً إيمانياً لاغتنام الكنوز الثمينة، فجلسة للتلاوة، ولقاءللتاريخ، ورحلة للعمرة، ووقت للقيام، وحلقة للذكر، وفرصة للدرس، ولا تنس أن فيالوقت بركة .
* احسب زكاتك، واجمع من زكاة أهلك وأقاربك، واستعن بإخوانك علىوضعها في مصارفها، وتوصيلها لمستحقيها، واحرص على أن تُبادر وتُنافس في الإنفاقفهذا ميدان السباق .
* تذكر إخوانك المسلمين المضطهدين والمشردين والمظلومينفي العراق وفلسطين وغيرهما، لا تنسهم من دعواتك وزكواتك، وعرِّف بأحوالهم وبين مكروجرم أعدائهم، واكشف زيف الدعاوى المتعلقة بقضاياهم .