لم تقطف
الشعوب العربيّة ثمرة كفاحها المرير من أجل الحريّة والاستقلال كما كانت
تحلم، فما أن حمل الاستعمار عصاه ورحل غير مأسوف عليه، حتى حلّت بدول
التجزئة التي تمخّض عنها عالمنا العربي كارثتان ماحقتان متلازمتان لا تكاد
واحدة منها تفارق الأخرى: كارثة فلسطين، والانقلابات العسكريّة.
فلا
يكاد البيان العسكري الأوّل لكل انقلاب يخلو من الوعود بتحرير فلسطين
وتوحيد أمّة العرب، حتى إذا ما استقرّت الأوضاع واستتب الأمن لقادة
الانقلاب أسفر العسكريّون والمغامرون عن وجوههم، وكشّروا عن أنيابهم، فلا
وحدة ولا تحرير.
وتنقضي السنين الطوال، ويتبين المواطن المسكين بعد
فوات الأوان أنّ الذين اغتصبوا السلطة، وزوّروا إرادة الشعب، قد أقاموا
نظماً ديكتاتوريّة متخلّفة، تحتكر وضع السياسات العامّة للدولة، ولا تتحمّل
نتيجة ما تضعه من سياسات خاطئة، بما فيها الانتكاسات والهزائم.
وبينما
العالم من حولنا يتقدّم ويرتقي في جميع الميادين، وتنعم شعوبه بالرفاه
والحريّة والاستقرار، تزداد أحوال المواطن العربي تحت وطأة العسكر تردياً
وتخلّفاً، ويصل إلى قناعة مفادها أن كل الوعود التي ضحّى من أجلها سراب.