إن التكفير شره عظيم،وخطره جسيم،وعواقبه وخيمة، ونهايته مؤلمة،وفواجعه لا تنتهي.
أخي القارئ الكريم: لا يُسارع في التكفير من كان عنده مُسكةٌ من ورع ودين،أو شذرة من علم ويقين، ذلك بأن التكفير وبيلُ العاقبة،بشع الثمرة، تتصدعُ له القلوب المؤمنة، وتفزع منه النفوس المطمئنة. يقول العلامة الشوكاني في [السيل الجرار] (4/58):(وهاهنا تسكب العبرات،ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنةٍ، ولا لقرآنٍ ،ولا لبيان من الله ،ولا لبرهان، بل لمٌا غلتْ به مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقٌنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب بقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه الفاقرة التي هي من أعظم فواقر الدين، والرزية التي ما رزىء بمثلها سبيل المؤمنين... والأدلة الدالة على وجوب صيانة عرض المسلم واحترامه يدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح،
فكيف إخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية، فإن هذه جناية لا تعدلها جناية، وجرأة لا تماثلها جرأة، وأين هذا المجترىء على تكفير أخيه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه)) وقوله صلى الله عليه وسلم: (( سباب المسلم فُسُوق وقٍتالُهُ كُفْر))، وقوله صلى الله عليه وسلم:(( إنٌ دِماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))اهـ
والأحاديث الخاصة بالترهيب العظيم من تكفير المسلمين كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
1- قوله صلى الله عليه وسلم:(( أُيٌما َامْرىءٍ قَالَ لأخيه: يا كافر، فقد باءَ بِهَا أحَدُهُما ، إنْ كان كما قال، وإلاٌ رَجَعَتْ عَلَيه))
2- و قوله صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ دَعَا رًجُلاً بالكُفْرِ ، أو قال: عَدُوٌ اللهِ ، ولَيْسَ كذلك إلا حَارَ عَلَيه)). رواهما مسلم في [صحيحه].
3- وقال صلى الله عليه وسلم:(( لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بالفُسُوق ، ولا يَرْمِيه بالكُفْر ، إلا ارتدٌتْ عَلَيه ، إن لم يَكُنْ صاحِبُهُ كذِلك)).
4- وقال صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ َرَمى مُؤْمِناً بِكُفْرٍ، فهو كقَتْله))
رواهما البخاري في[ صحيحه]
أخي القاري الكريم:التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثبت إسلامه بيقينٍ، لم يَزُلْ عنه ذلك إلا بيقينٍ، ولا يجوز إيقاع حكم التكفير على أي مسلم، إلا ما دل الكتاب والسنة على كفره– دلالة واضحة ، صريحة بينة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن.
وقد يَرِدُ في الكتاب والسنة ما يُفهم منه أن هذا القول ، أوالعمل أو الاعتقاد: كفر، ولا يُكَفٌرُ به أحدٌ عيناً إلا إذا أقيمت عليه الحجة بتحقق الشروط وانتقاء الموانع وهي :
((أولاً:العلم، وذلك بأن يعلم المسلم أن هذا العمل كفر ويقابله من الموانع الجهل فمتى حلٌ الجهل ارتفع التكفير، قال سبحانه وتعالى : (( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا")) [النساء:115]
فمن لم يتبيٌن له الأمر فلا تُنزل نصوص الوعيد عليه.
ثانيا: قصد القول أول الفعل الكفري، والمراد به تعمد القول أول الفعل ويقابله من الموانع الخطأ، أي : أن يقع القول أو الفعل دون قصد كسبق اللسان أو السهو ويدل له قوله تعالى: (("ربنا لا تؤاخذنا إن نسينآ أو أخطأنا"))[البقرة :286] قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي )) قد فعلت)) رواه مسلم.
ثالثاً: الاختيار ويقابله من الموانع الإكراه قال تعالى: ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ ) [النحل:106].
رابعاً: التأويل غير السائغ: ويقابله من الموانع التأويل السائغ، ويدل له اتفاق الصحابة على عدم تكفير الذين استحلوا الخمر لأنهم تأولوا قوله سبحانه: ((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ)) [المائدة: 90] بجواز شرب الخمر مع التقوى والإيمان .رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، على أن الخمر محرمة تحريماً قاطعاَ ولكن الصحابة لم يكفروهم لوجود الشبهة وهي تأويلهم للآية الكريمة..
وهذا كله لأن التكفير حق لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يُصبْ في إطلاقه فإنه يعود إليه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:((مَنْ قَالَ لأخيه يا كافرإن كان كما قال وإلا حَارتْ عليه )). انظر [مخالفات في التوحيد] ص 15.
((منقول للأهمية))