سعد الله الجابري (1894م - 1948م) هو سعد الله عبد القادر لطفي الجابري.
ولد في حلب عام 1894 لعائلة عريقة ،مشهورة بالترف والانتهازية والثراء.
والده الحاج عبد القادر مفتي مدينة حلب في زمن الخلافة العثمانية !!، أنجب ستة أبناء من بينهم سعد الله الذي بدت عليه مظاهر النباهة والإقدام وحب الظهور منذ صغره، فنشأ وترعرع في حلب، وتلقى علومه الابتدائية والتجهيزية فيها وصحا على اجتماعات واتصالات تقوم بها عائلته مع رجالات البلد في الداخل والخارج، حيث كان القوم يجتمعون في منزل عبد الحميد الجابري للتداول في أمور البلاد وما آلت إليه للحفاظ على أكبر قدر من المكاسب التي كسبوها في زمن الخلافة العثمانية وتحين الفرصة المناسبة لتعامل مع البديل.
بداياتهأنهى سعد الله دراسته الثانوية في حلب، فاستقدمه أخوه إحسان الجابري إلى استانبول لمتابعة دراسته في الكلية الملكية السلطانية، فاتصل هناك بالشباب العربي في الأستانة وأسسوا جمعية العربية الفتاة عام 1911م وأقسموا اليمين للعمل على استقلال البلاد العربية عن الخلافة العثمانية !!.
وجمعية العربية الفتاة هي حركة سرية !! قومية علمانية ضمت الأقليات والمتأثرين بالأفكار الغربية والرأسمالية المتوحشة، هدفها الاستقلال عن الخلافة العثمانية وليس لها أهداف إسلامية وهي أساس كل الحركات القومية والعلمانية في العصر الحديث.
أُرسل سعد الله إلى ألمانيا حيث درس سنتين وعاد إلى استانبول بمناسبة إعلان الحرب العالمية الأولى، فجند في الجيش العثماني (كجك ضابط) وعُين مراقباً على الأرزاق وقوافلها في بلدة (أرض الروم) وقضى مدة الحرب هناك - رغم أنه كان معارضاً وبشدة للعثمانيين في الباطن -.
عندما انتهت الحرب عاد سعد الله إلى حلب، ودخل في حركة حقوق الإنسان " مع السوق سوق "، ولما قامت الثورات عام 1919 إثر نية الحلفاء تقسيم البلاد العربية ودخول الفرنسيين سوريا؛ كان سعد الله الجابري على اتصال بزعيم الثورة في الشمال إبراهيم هنانو يؤيد ثورته ويدعمه، كما جدد اتصاله بمن كان معه في الكلية السلطانية مثل شكري القوتلي - ذو الأصول التركية !! - وغيره من عناصر الجمعية. شارك في المؤتمر السوري العام الذي انعقد عامي 1919 و1920 ودعا إلى وحدة سورية الطبيعية وهي الدعوة التي ينادي بها الحزب السوري القومي الاجتماعي ذو التوجهات اليمينية القومية.
مواجهته للاحتلال الفرنسيونظراً لقيام الجابري بمواجهة الفرنسيين، فقد اعتقل في سجن أرواد مدة من الزمن مع هاشم الأتاسي وجماعة من الوطنيين - لمدة قصيرة جداً ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلة جديدة من النضال إذا كانت سوريا تغرق رويداً رويداً تحت وطأة المحتل الفرنسي.
قال فيه عمر أبو ريشة:
في محاريبك الوضيئة تغفو ---- كبرياء الآباء والأجداد
كان الجابري وجماعته يوالون الاجتماعات والاحتجاجات ورفع المذكرات لعصبة الأمم - لأن جمعية الأمم لم تكن قد ظهرت للوجود بعد - يشكون فيها الفرنسيين، وحين أعلنت السلطة الفرنسية استعدادها لإقامة حكم دستوري في البلاد، كان الوطنيون قد قرروا في مؤتمرهم الدخول في الانتخابات، ولما أُنتخب إبراهيم هنانو والجابري لأول مجلس تأسيسي رأى الفرنسيون أن هذا المجلس لا يمكن أن يخدم مصالحهم، لذا عمدوا إلى إلغائه، فعاد الوطنيون إلى النضال وقامت المظاهرات والاحتجاجات واعتقل الجابري.
وبعدما أّفرج عنه تنادى الوطنيون لوضع ميثاق الكتلة الوطنية ونظامها الأساسي فكان هاشم الأتاسي رئيساً وإبراهيم هنانو والجابري نائبين للرئيس.
لما رفضت الكتلة الوطنية معاهدة عام 1933، قامت المظاهرات في جميع أنحاء سوريا وجرت اعتقالات للوطنيين وكان من بينهم سعد الله الجابري حيث صدر عليه حكم بالسجن ثمانية أشهر فقط.
اشتد الطغيان الفرنسي في سوريا، وأُغلقت مكاتب الكتلة الوطنية وعمت الاعتقالات رجال حلب ودمشق وباقي المدن، واشتد الذعر وأضربت جميع المدن السورية، وأُلقي القبض مجدداً على الجابري ونفي إلى منتجع جزيرة (عين ديوار).
تجاه ما وصلت إليه سوريا من الاضطراب، استدعى الفرنسيون الوطنيين - كعادة المحتل دائما وعادة الآخرين الذين يقطفون ثمرة التضحيات - واتفقوا معهم على أن يرسلوا وفداً يمثل وطنيي البلاد إلى فرنسا للمفاوضة لعقد معاهدة، فكان الجابري عضواً في هذا الوفد، فصدر عفو عام عن السوريين وأُفرج عن الوطنيين وتمت معاهدة عام 1936م.
شغل الجابري وزارتي الداخلية ثم الخارجية في وزارة جميل مردم بك، في أول حكومة وطنية كان فيها هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. لكن الفرنسيين أثاروا الفتن والنعرات الطائفية مما أدى إلى تعطيل الدستور وإنهاء الحكومة، فاستقال رئيس الجمهورية وكانت نهاية العهد الوطني.
بتعطيل الحياة الدستورية وإبعاد الوطنيين عن الحكم، زاد إمعان الفرنسيين في اضطهاد الوطنيين، فاستولوا على السلطة مباشرة وأنشؤوا حكومة موالية لهم، وفي هذا الظرف وقعت حادثة جعلت سعد الله وصحبه يغادرون سوريا كلاجئين إلى العراق، وذلك حينما وُعِد قاتل الوطني الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بالعفو عنه، إذا اعترف أنه كان مدفوعاً إلى القتل من قبل رجال الكتلة الوطنية: شكري القوتلي وسعد الله الجابري وجميل مردم بك، غير أن القضاء الموالي لفرنسا برأهم. ولم يعد سعد الله الجابري إلى سوريا إلا حينما دخلت الجيوش البريطانية الحليفة له سوريا بصحبة جيش فرنسا الحرة وأُعلن استقلال البلاد.
ما بعد الاستقلالعندما انتُخب شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية في 17/8/1943، تولى الجابري رئاسة وزارته. هذه الوزارة التي أدى عنادها الوطني إلى قيام الفرنسيين بعدوانهم على سورية عام 1945، وفي عهد وزارته أيضاً تم جلاء القوات الفرنسية عن البلاد.
كان سعد الله الجابري رئيس الوفد السوري في توقيع بروتوكول الإسكندرية، ورئيس وفدها في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام - ماذا نتج عن هذه المؤتمرات أين الإنتاجية ؟؟ -، كما حضر إعلان أنشاء لتأسيس الجامعة العربية - ما شاء الله -.
مرض سعد الله الجابري - بسبب الافراط في تناول الكحول - في آخر زيارة له إلى مصر، حيث كان هناك لحضور مجلس الجامعة العربية عام 1947، فبقي في الإسكندرية للتداوي، إلا أن رئيس الجمهورية شكري القوتلي طلب منه الاستقالة من رئاسة الوزارة فاستقال.
رجع الجابري إلى حلب وقضى فيها بضعة أشهر، وما لبث أن وافاه الأجل في حزيران عام 1947.
شيعته الشهباء بموكب كبير جليل حاشد...
تقدم الموكب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والنواب وممثلو الدرك ورؤساء الدول العربية وجماهير غفيرة سارت في موكب التشييع الذي استغرق سيره ساعتين كاملتين....
وبعد أن ووري الفقيد لحده الأخير إلى جانب الزعيم هنانو، بكاه رئيس الجمهورية بكلمة مؤثرة كانت تفيض أسىً على فقد المرحوم، تناول فيها رفقة جهاده مع المرحوم منذ سني الدراسة حتى الآن، معدداً مناقبه ومزاياه، باكياً فيه الخصال الشريفة والمزايا النبيلة.
وبعد أن انتهى الرئيس الأول عقبه رئيس الوزراء جميل مردم بك كلمة جامعة تناول فيها تاريخ جهاده وأثره فيما وصلت إليه البلاد من منعة وعزة واستقلال - والدليل ما وصلت غليه الآن -.
اشترك في مأتم التشييع بعثات ملكية تمثل الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود ورؤساء الدول في جامعة الدول العربية والوزراء والقناصل وممثلو الهيئات السياسية والأحزاب، والهيئات السورية وممثلو الجمعيات والأندية ووجهاء الأحياء ثم جماهير المشيعين.
رثاه زعماء العالم العربي وقتها منهم:
وقال السيد مكرم باشا عبيد رئيس الكتلة الوفدوية:
"ولعل عزائي بعض العزاء هو أن يسمح لي بتأبين الفقيد العزيز، وما الحزن الباكي على من مات منا إلا ضريبة الموت علينا يتقاضاها من نفوسنا جزعاً ويستدرها من عيوننا دمعاً، ولقد كان سعد الله الجابري هو ذلك الوطني النموذجي".
وقال مصطفى باشا النحاس:
"يقيني أن العظيم في وطنه وخلقه، النزيه في تصرفاته وأعماله، لا يموت إلا الموت الذي اصطلح عليه الناس، وهو النقلة من دار الغرور والفناء إلى دار الصدق والبقاء، وهو بعد هذا خالد في قلوب الأحياء ما بقيت الحياة".
وقالت السعودية:
"حينما نبكي سعد الله فإنما نبكي فيه الشمم ومضاء العزيمة والإقدام: نبكي قائداً أقبل في طليعة الرعيل الأول، يذود عن حمى الوطن الغالي، فكان علم جهاد ولواء نضال، ضحى على اسم أمته فأضحى، ولقي في سبيل استقلالها وعزتها ما لقي...".
مراجع(موسوعة السياسة)، د.عبد الوهاب الكيالي وآخرون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت طبعة أولى 1983، ص (163).
(ذكرى سعد الله الجابري)، أحمد الجندي، طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ص(124ـ 132).