اعجبنى هذا المقاال فاحببت طرحه هنا
لانه يلامس ويضع اليد على جرح ما ....
هل رأى الـ(فيس بوك) سكارى مثلنا؟لئن استنزف الحب جيوب العشاق، ليغدقوا بمشاعرهم خزائن شركات الاتصالات بمليارات الريالات من بطاقات مسبوقة الدفع والاندفاع، ومن دردشات بكل ما أوتوا من ماسنجر، ورسائل نصية، وأخرى وسائطية، وثالثة بريدية، فلقد جاء فيس بوك بكل ذلك كله، وليدخل الاقتصاد من أوسع أبوابه معتمداً على دوافع غريزية مثل حرية التعبير وحب التعارف بين الشعوب والقبائل.
وأيم الله لو رأى قيس بن الملوح فتاة في فيس بوك قد تنعمت مفاتنها بأسرار فيكتوريا، وتقسم خصرها بأزياء هيريرا، لهام بها وعرف أنه أضاع عمره مع ليلاه، فكان الله في عون قلوب شابة جاء قدرها في زمن: العين بصيرة واليد قصيرة.
أن ترتعش قلوبنا.. يفعل الحب وتستجيب لدواعيه ونرحب به، فهذه ليست القضية، ولكن أن نحتفظ ببريقه ونرويه بمشاعرنا هو الأهم، ولا عجب أن تسمع هنا وهناك عن أناس تولعوا بالحب في فضاءات الإنترنت، خاصة أنها تعطي الإنسان فرصة لاستعراض شهامته وبطولاته الافتراضية عبر دردشة مثالية ورسالة منمقة يهيم بها الآخر عشقاً.
لم تجد تلك العذراء بداً من أن تنصهر فيه وليته بسبب كلماته، بل أحياناً بسبب زر ((Poke ضغطه صاحبنا بالخطأ وهو يستعرض صفحتها بالفيس بوك، كيف لا وهي رغم أن رصيد أبيها متخم بالملايين فهو قد شغل بجمعها ولم يحرر لها يوماً شيكاً عاطفياً وبتوقيع كتب فيه: إن القمر إنما يستمد ضوءه من إشراقة جبينك يا ابنتي، وليست أمها بأحسن حالاً، خاصة أنها ممن يقدس بالفطرة أبناءها الذكور، كيف لا وهم قد خلقوا كالملائكة من نور.
إن أطوار الصداقة في فيس بوك تبدأ بطلب صداقة، يبدأ معها القلب متلهفاً، وبمجرد الموافقة فإنك تفتح له باب قلبك وخصوصيتك على مصراعيه، وهو يعلم أن الحب لا يطلب طلباً، ولا يشترى بماله ولو كان كله ذهباً؛ لذا لجأ من قبل ذلك إلى تلميع صفحته، حتى إذا ما استعرضت هي كل صوره وتعليقاته وقائمة أصدقائه، بكل حنان ورقة، لتبدأ برسم صورة خيالية ملائكية عن هذا الصديق، ومع تقادم الأيام وتزايد الدردشات، وما يتخللها من مسجات، وبعض الكتابات على جدارك، والمبالغة في – أعجبني – لكل شيء، فحتما يجزم القلب بأنه الهوى الغائب، وليبحث بالقوة عن الأمور المشتركة، كالهوايات وكرسي الاعتراف وفجأة برج الميزان، كيف لا وهو من أرسل رابط يوتيوب هامت به طرباً وتحليلاً وحفظاً وتأملاً.. التي ما تفتأ تعيد مشاهدته سبع مرات إحداهن في المنام.
وليت فيس بوك يسمح هاهنا بإنشاء قائمة الأحبة من ضمن قائمة الأصدقاء، ليرى كل محبوب صفحة محبوبه مكشوفة أمامه، ببريدها ودردشاتها، ولكن للأسف وبعد برهة، تطول عند بعضهن وتقصر عند بعضهم، يبدأ المحبوب باستبصار محبه، ويبدأ الجدال بين القلب والعقل إن كان ثمة عقل تبقى، فالأول ما يزال يراه بدراً نقياً، والآخر بدأ يشعر بأنه بشر عصي، وهاهنا تبدأ كثير من قصص الحب بالتلاشي تاركة إرثها، فعندما تذهب السكرة، لا يرغب بعضهم في المسؤولية واتخاذ قرار الارتباط، وإنما يريدها كيفما اتفق؛ لذا فإن من يستمتعون بلحظات ميلاد الحب فقط، فإنهم سرعان ما يغادرون قلوب أحبتهم؛ فالمسألة لا تعدو إرسال رسالة اعتذار، والبدء بالبحث عن ميلاد حب جديد إلى أجل، وهكذا دواليك وكان الله في عونها.
ولعل من انسحب أفضل حالاً ممن هام بمحبوبه الملائكي ودخل إلى عش الزوجية دون أن يتثبت، فهو لم يحبك في غضبك قبل رضاك، وفي أخطائك قبل صوابك، ولم يحبك على كل أحوالك، لم يحبك أنت كما أنت، وإنما كان حباً ارتسم من صورة خيالية ذات ألوان ليست من طيف الواقع بشيء، تماماً مثل (سعد) و (سعاد) اللذين تزوجا بعد قصة حب عنيفة لينتهي بهما الحال في المحاكم في قصة طلاق أعنف.
وبعد، فلا شك أن جيل الإنترنت هم جيل قادر على أن يعيدوا للرومانسية روحها، فهم أصدق مشاعر وأبعد عن لبس الأقنعة، ولئن زعم أفلاطون أن للحب أسماء كثيرة، وأن القلب الواحد لن يحب بصدق حتى يملأه اسم واحد، فلله در قلب ملأته أسماء.