وأنكحوا الأيامى منكم
إ
وقفة حول العنوان:
أول مايستوقفنا في هذا العنوان هو معنى كلمة الأيامى:
الأيامى في اللغة الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء . قال ابن سيدة:"الأيم من النساء التي لازوج لها بكراً كانت أو ثيباً، ومن الرجال الذي لا امرأة له" . والأيم على الصحيح يطلق على الذكر والأنثى كما قيل :
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي يد الدهر مالم تنكحي أتأيم
ومن قول ابن القيم :
وكن أيما مما سواها فإنها لمثلك في جنات عدن تأيم
والأغلب إطلاقه على الأنثى، وهي في الآية الكريمة تشمل الذكر والأنثى .
من منافع الزواج:
للزواج منافع وآثار دينية ودنيوية عدة، منها:
1 - أن الله قد امتن بالزواج على عباده فقال :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ومودة ورحمة: وكما جعل الزوجة سكناً فقد جعلها لباساً، قال تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، وجعلها حرثاً فقال :نساؤكم حرث لكم.
2 - أن الزواج من سنن المرسلين فقد ذكر الله تبارك وتعالى ذلك عنهم فقال : ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم وجعلنا لهم أزواجاً وذرية .
وذكر الله تبارك وتعالى عن نبيه موسى أنه بقي سنين يرعى الغنم مهراً للزواج.
وذكر عن سليمان عليه السلام أنه كان له نساء عدة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي قال:" قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: -أي الملك- إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه" فقال النبي :"لو قالها لجاهدوا في سبيل الله" متفق عليه.
وحين جاء طائفة من أصحاب النبي وسألوا عن عبادته، فاعتقدوا أن لهم شأنا ليس كشأنهم، فمنهم من اعتزل الناس، أخبر أن الزواج من سنته وهديه، ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه -أن نفرا من أصحاب النبي سألوا أزواج النبي عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
فإذا كان المرسلون قد جعل الله تعالى لهم أزواجاً، وكان الزواج من سنتهم، وهم أعبد الناس وأعلم الناس، وأكثر الناس شغلاً، فلا مناص ولا مجال لأحد بعد ذلك أن يعتذر عن الزواج إلا أن يكون قد خالف سنة المرسلين، أو يكون فيه ما يمنعه من النكاح.
3 - أن الله قد أمر الأولياء -وهو أمر للمجتمع – بتزويج الأيامى، وهم من لاأزواج لهم من الرجال والنساء –ما سبق بيانه-وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.
4 - لقد أمر النبي أمراً عامًّا لأمته يخاطب فيه كل شاب على مدى عمر هذه الأمة الزمني " يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليع بالصوم فإنه له وجاء " والخطاب الذي للرجال تدخل فيه النساء.
5 - الزواج فيه تحصيل لخير متاع الدنيا؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " . رواه مسلم . وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لاتبغيه حوباً في نفسها وماله " .
6- الزواج فيه إكمال لشطر الدين؛ فقد روى الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي قال : " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي " وفي رواية للبيهقي " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي " .
وإنما كان الزواج نصف الدين لأن النبي قال في الحديث الآخر:"من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" رواه البخاري من حديث سهل بن سعد، فإذا تزوج أعف مابين رجليه.
7 - وكما أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بالزواج وحث عليه، فقد نهى عن التبتل والانقطاع فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رد رسول الله على عثمان بن مضعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا .
8- نهى صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التعبد على حساب حق الأهل والزوجة، فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – "يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت –عبدالله بن عمرو- بلى يا رسول الله، قال:"فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا…." فدل ذلك على أن الزواج أفضل من التفرغ للعبادة، فكيف بغيرها.
9 - أن النكاح سبب لعون الله وتوفيقه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
10 - أن ذلك سبب لزيادة عدد الأمم، ومكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم . فقد قال صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " رواه أبو داود والنسائي.
11 – الزواج له أثر صحي فقد أجرى عالمان نفسيان في جامعة شيكاغو إحصاءات دقيقة عن حالات من الجنون التي قاما بفحصها بين من يعالجونهم فوجدا أن بين كل مئة مجنون ومجنونة 83 مريضاً من العزاب و17 من المتزوجين والمتزوجات . كما أن معدل الإجرام أكثر عند العزاب منه عند المتزوجين . حيث بلغ في إحدى الإحصائيات 38 مجرماً أعزب مقابل 17 متزوجاً .
12- ومن أهم مقاصد النكاح وفوائده تحصين النفس، وحمايتها من الوقوع في الفاحشة، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .. " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ماتركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " . ويتأكد ذلك في العصر الحاضر الذي انتشرت فيه فتنة النساء وعمت بلاد المسلمين.
أكمل في منافع الزواج2