تابع 4
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على حضرة سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
دخلت مدينة بشكيك العاصمة بعد مسافة خمس وأربعين كيلو متر قطعناها بالسيارة , فأصبح الأستاذ محمد يشرح لي معلومات عامة وسريعة عن المدينة , فقال : كان اسم المدينة أيام الاتحاد السوفيتي (افرونزي) وغيروه بعد الانفصال إلى اسم بشكيك وهو اسم أحد الأبطال القدماء القرغيز , ويتابع .........يا أستاذ أحمد : هذا طريق الحرير الذي نسمع به في بلادنا وهو أطول طريق تجاري في العالم يأتي من الصين واسمه بالروسي ( جيبيك جيلو) , وانظر هذا تمثال لينين يشير بيده كعادته نقلوه من الساحة الرئيسية للمدينة إلى ساحة بعيدة احتراما لمشاعر المسلمين لأنهم يقيمون صلاتي العيدين في هذه الساحة العامة المشهورة فلا يليق وجود مثل هذا التمثال في مثل هذا المكان, وانظر إلى شوارعهم .......... فقاطعته وقلت: شوارع قريتنا قبل خمس وعشرين سنة أفضل منها فقد كانت مخجلة بحق محفرة كأنك رايح على تل قسيس .
وصلنا الجامعة بعد أن جهدت السيارة بنا فنظرت فإذا المبنى صغير متواضع كان قبل سنوات روضة أطفال واستأجرته جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية لتجعله نواة جامعة .
توجهت إلى شقة أحد الأساتذة بصحبة الأستاذ محمد وأنزلت عنده أمتعتي وطلبت منه أن أستريح من عناء السفر فجهز لي الفراش واستلقيت عليه وإذا أنا رايح بسابع نومة.
استيقظت بعد ساعتين تقريبا على صوته يقول لي : نحن مدعوون إلى طعام الغداء عند المدير , فقمت وغسلت وجهي ولبست ملابسي وانطلقنا , حتى وصلنا إليه فاستقبلنا الرجل بحفاوة بالغة وأكرمنا أيما إكرام ورحب بي ترحيبا أخجلني لمبالغته فيه.
لقد كانت أول الأشياء التي لفتت انتباهي في أول يوم وصولي (زناخة) الجو وبقي ذلك الشعور عالق في أنفي لمدة شهر تقريبا , ودائما كنت أبحث عن تفسير لهذه الظاهرة حتى اهتديت لها وعرفت بأن السبب في ذلك هو نقاوة الجو وصفاء الهواء من نواحي عدة : كثرة الثلوج التي تدوم مدة خمسة أشهر أو أكثر ويليها مباشرة الأمطار الغزيرة , وكثرة الموانع الجبلية التي تحول دون هبوب الرياح التي تثير الأغبرة , وقلة السيارات في ذلك الوقت أما الآن فكثيرة , والذي زاد من قناعتي بهذا التأويل أننا مثلا لو كنا في غرفة مغلقة فيها مدفأة تطلق أبخرة وأدخنة فاسدة وخرجنا فجأة إلى الهواء الطلق بعد المطر فماذا نشعر ؟ لاشك أننا سنشعر بنفس الرائحة الزنخة التي ذكرتها, وهذا بالنسبة لي مقارنة بين جو عمان وجو بشكيك.
في اليوم التالي توجهت صباحا إلى الجامعة مع مضيفي الأستاذ عمر وهو أقدم مني في البلد فرأيت الطلاب والطالبات يسلمون عليه بشوق وحفاوة وكأنه لا حرج من السلام على الطالبات( وإن كان ليس باليد) والكلام معهن خصوصا وهو رجل فاضل محافظ على دينة وأخلاقه فعجبت وأخفيت الأمر بنفسي لعلي أصل إلى السبب.
وبعد أيام طبعا عرفت السبب , لقد عرفت طيبة وبساطة هذا الشعب وحبهم للعرب وإكرامهم للضيف واعتبار العربي عندهم إنسان مقدس لايمكن أن يخطئ وهو من قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا يليق به إلا المبالغة في الإكرام والثقة به.
سبحانك يارب .......... كنت أحدث نفسي : أين كان العرب غائبين عن تبليغ هؤلاء دعوة الإسلام , ولم لم يضيعوا في رياح الإلحاد, لقد كانت الطالبة منهن تلبس الملابس الفاضحة وتقول : يا أستاذ أنا الحمد لله مسلمة وأصلي, وكذلك الحال في الشارع يأتي الرجل إلي فيعرف بأنني عربي فيسلم بحفاوة بالغة ويقول : أنا الحمد لله مسلمان.
يتبع ان شاء الله
أحمد عبد القادر الطويل
بشكيك