طرح متميز يا دكتور عبدالله وشكراً لتطرقك لمثل هذه الظاهرة والتي ندر أن خلا منها بيت من بيوتنا ، واسمح لي إن جاز لي القول " الضرب وأثره في الهدم الأسري " ولعلك ستوافقني الرأي فيما سأناقش وأعرض ، ومن وجهة نظري يكمن السبب أن الأطفال في وقتنا الحاضر - بنين وبنات - أكثر انفتاحاً وأخصب عقولاً هذه العقول التي أصبحت مرتعاً لكل ما هو جديد وغريب ، كما أن ردود أفعالهم وعباراتهم وتصرفاتهم تفاجئنا في كثير من الأحيان ، فالبراءة تزحزحت عن معناها التام لدى بعضهم ، وهذا ليس ظلماً للأطفال بل إنها طبيعة الحياة والعصر الذي نعيش وراء ذلك مما كان له أكبر الأثر في صوغ عقولهم وتهيئتها لما هي عليه
وكثيرا ما تعلو وجه أحدنا الدهشة من إجابة بعض الأطفال وتصرفاتهم ، فنبادر بتوجيه السؤال لهم " من علمك هذا " ؟
نعود إلى موضوع الضرب ، والذي يجب أن يكون آخر مراحل التهذيب والتأديب إلا مع التصرفات الفظيعة التي تنم عن خلل واضح في التربية والرعاية ، ولا أقصد هنا بوجوب الضرب ما يترك أثرا على النفس والجسد
حقيقة إخوتي الضرب يلعب دوراً أساسياً في ضعف الشخصية لدى الطفل كما يسبب له إنكساراً في النفس عدا عن أنه يعتبرتعدياً على الكرامة الإنسانية خصوصاً مع تكرار الضرب وقسوته لأتفه الأخطاء ،
فمن منا لا يخطئ ؟
ولعل المساوئ المترتبة على الضرب خاصة المبرح أحياناً هي تولد العنف والكره والعدوانية في نفوس أبنائنا والتي قد نبدأ بملاحظتها في مرحلة المراهقة وتستمر إلى ما بعد ذلك ، ناسين أن مرحلة الطفولة تعتبر المرحلة الأساسية في صقل الشخصية وثباتها ، ولكن الذي قد يحصل هو اعتقاد كثير من الآباء والأمهات أن الحل الوحيد للتربية والتهذيب يكون بهذا الإجراء الذي أصبح روتينياً ، وما نراه اليوم في مجتمعاتنا من تولي الأم مهمة الضرب وتنحي الأب عن هذه المهمة أفقد الضرب قيمته ، فمهما جارت الأم أو قست أو عنفت يبقى الخطأ ويتكرار لأن الطفل مع الأيام يعرف أن الأم قد تكون مصدراً أساسياً للعطف والحنان ، ومن جانب آخر قد يزرع الضرب الكره للأم مع تكراره ،ويلجأ إلى الأب ويتعلق به كما ذكرت دكتور عبدالله خاصة البنات و لي إضافة أخرى هو أن تعلق البنت بأبيها في فترات حياتها لا نرجعه إلى قسوة الأم وإنما لما عرف في علم النفس بعقدة أوديب وإلكترا وهو ميل الفتاة إلى أبيها وميل الابن إلى أمه
ولقد تطرقت إلى فكرة عدم وجود الأب الذي ترتعد منه أجسام أبنائه ، وقد مرت في حياتنا من من أولئك الأطفال من تردعه نظرة من عين والده ، لكن أين هذا الجيل من جيل اليوم ؟
وهل نستطيع القول أن الأب أوكل مهمة التربية الفعلية للأم وتكاسل عن متابعة أبنائه ؟
أقول هنا لعل جهل الوالدين بالمراحل العمرية التي يمر بها الأطفال وجهلهم باحتمالات وقوع الخطأ من قبل الأطفال ، أو إعطاء الأبناء عمراً مزيفاً غير العمر الذي هم فيه وراء لجوء الأباء والأمهات إلى الضرب ، ناهيكم عن المشاكل الأسرية وانفصال الزوجين وبقاء الأبناء في رعاية الأم أو الأب أو زوجة الأب أو زوج الأم ودور هذا الانفصال في التأثير على تصرفات الأطفال مما يزيد احتمالات وقوع الخطأ والذي يكون متعمداً لدى البعض ، ويجدر بنا الإشارة هنا أن كثيراً من الآباء أو الأمهات يصبون جام غضبهم على أبنائهم ، فينهالون عليهم بالضرب والتعنيف والتجريح
وفي كلتا الحالتين سواء أتولت الأم مهمة الضرب أم تولاها الأب سيكون الحصاد مزيداً من الاستهتار والعناد وتكرار الخطأ نفسه ، مع نمو شخصية مهزوزة خائفة منكسرة تكون عرضة لأي انحراف أو تدمير
وبرأيي تولي الأم لمهمة الضرب وتكاسل الأب عن دوره في التوعية والتهذيب يعود إلى أن تكون الأم ذات شخصية قوية تطغى على شخصية الأب فلا يحسب الأبناء أي حساب لردة فعل الأب عند ارتكاب أي خطأ ، فتقوم الأم بدور الأب والأم معا في إدارة شؤون الحياة الأسرية وبالتالي لا يضير الأبناء ارتكاب مزيدا من الأخطاء
ولنأتي إلى بعض الحلول إخوتي وقد تكمن بفتح أبواب واسعة للحوار والنقاش والتفاهم والاحترام وتبادل الأفكاربيننا وبين أبنائنا لأننا في زمن من الصعوبة أن نجد ذاك العدد الهائل من الأطفال من يردعون لمجرد سماع صوت الأب أو حتى صوت أقدامه وهو عائد من العمل
فلنمسك العصا من وسطها ولنعطي أبناءنا حقهم من الرعاية والاهتمام والاحترام ولنترك ما أساءنا في ماضينا ولنفعل الجانب الترغيبي في تعاملنا مع أبنائنا ولنكثر من عبارات التشجيع فلها أعظم الأثر في بناء شخصية الأبناء واتزانها
والحق يقال لا يجب التهاون في الأمور الدينية كالأمر بالصلاة والصوم وتعليم أمور الدين الإسلامي ، فهنا سيحاسب كلاً من الوالدين فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، وللأم رسالة وللأب رسالة يجب أن يؤديانها على أتم وجهه والوعاء الكبير يتسع للأوعية الصغيرة ، هذه هي تربية الأبناء إن أحسناها حصدنا ثمراً طيباً والعبرة في الجذور فالأصول الطيبة نتاجها طيب ، أعاننا الله وإياكم في هذه المهمة الصعبة
عذراً على الإطالة يا دكتورنا فالموضوع من صميم الواقع وجوانبه متنوعة وفيه الكثير الكثير
ودمتم في رعاية الله وحفظه
أختكم ريانة عبدالله