أحبابنا الكرام في منتدانا الكريم أولا أقدم بين أيديكم الكريمة عذري على التأخير في متابعة الحلقات فقد كانت لدي ظروف قاهرة منعتني من ذلك .
تابع 5
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على حضرة سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الأسبوع الأول
استأجرت شقة قرب الجامعة أقمت بها وحدي ظنا مني أنني سوف أكون مرتاحا بها فما مر إلا يوم أو يومين بعد إقامتي بها حتى بدأت أحس بالوحدة القاتلة مع أنني تحملت في الجامعة عبئا ثقيلا فقد بدأت أؤسس منهجا خاصا لمادة البلاغة لطلاب غير عرب وهذا يأخذ وقتا وجهدا مضاعفا , ومع هذا فقد أصبح السأم والملل والشعور بالغربة يسري في نفسي سريان السم في الجسم, حتى وصل الأمر في تلك الليلة إلى منتهاه فما الذي حصل؟
كنت جالسا وحيدا في شقتي في الساعة العاشرة مساء وأنا أفتش في الأغراض التي أحضرتها معي وإذا في جيب قميص من قمصاني ورقة فأخرجتها وإذا هي صورة والدتي وما كنت أعلم بوجودها فقد وضعوها لي سرا فما كدت أنظر إليها حتى شعرت بأن قلبي قد سقط وبدأت عزائمي بالهبوط وازدادت خفقات قلبي , يا إلهي ماذا أفعل ؟ أريد أن أتصل وأسمع صوتها, مع إن الاتصالات في تلك الفترة صعبة ورديئة , لا بأس المهم أن أطمئن وأخرج من هذه الحالة خشية أن تتفاقم وأقرر الرجوع, ولكن أين وكيف في هذه الساعة.
حاولت الانشغال وتضييع الوقت فدخلت المطبخ وحاولت الانشغال بشيء آكله ولكن لا جدوى فالضجر والتوتر يزيدان فأطفئت البوتوغاز قبل أن ينضج طعامي فغسلت وجهي ودخلت غرفة النوم لكي أرتاح لعل الكرى يزور طرفي وبدأت أتقلب وكنت أقنع نفسي بالنوم ولكن عبثا كنت أحاول , فكرت بالخروج أمشي قليلا فقد أشعر بالتعب وأحتاج إلى النوم ولكني حديث عهد ببلد لا أعرفه فقد يعتدي علي أحد في الليل و قد حذرني الناس من المافيا والعصابات وووو الخ فقلت أقف في الشرفة وأتنشق الهواء البارد ولكن جهدت نفسي بلا طائل فقررت أن أذهب إلى الأستاذ عمر وإن كان الوقت متأخرا , فلبست ثيابي وهرعت إليه لعله يؤنسني .
طرقت الباب على الاستاذ عمر ففتح لي وعجب من زيارتي له في هذا الوقت عجبا عرفته من نظراته ,ثم صرح به فقال: خيرا إن شاء الله ما الذي أتى بك في هذا الوقت عسى أن لا يكون شرا ؟ فقلت : لا, ولكنني شعرت بالضجر والوحدة ولم أستطع النوم فجئت إليك , فقال : على الرحب والسعه , أدخل فأجلسني وقال : اليوم أنت تنام هنا وغدا نذهب سويا إلى الجامعة , فقلت : اتفقنا .
فكان قدومي إليه مؤنسي بعض الشيء فنمت.
وفي الصباح الباكر استيقظنا وذهبنا إلى الجامعة ودخلنا دروسنا وكانت تنتابني حالات من القرف _ إن صح التعبير_ من كل شيء حولي حتى اتضح أثر ذلك في وجهي وتعاملي مع الأساتذة المحليين أذكر بأن أستاذا أذريا ( من أذربيجان) خاطبني بقول فهمته بعد الترجمة : لست الوحيد هنا غريب ترك أهله وأولاده فأنا كذلك , فتصبر ولا تبتئس فهون عليك , فلم أجبه من شدة ما بي .
انتهى الدوام و ذهبت مع الاستاذ عمر إلى بيته وهنا حدثت نفسي هل سأبقى كل السنة وأنا على هذه الحال , لن استمر على هذا المنوال من العذاب حتى لو ملكوني البلد برمته وقررت أن أفصح عن رأيي هذا للاستاذ عمر فأخبرته الخبر فابتسم وقال بهدوء أعصاب : اذهب فاستحم واقرأ شيئا من القرآن لعلك تهدأ , ففعلت ما أشار به علي فهدأت وبعدها أخذت قسطا من الراحة .
وفي المساء ذهبنا إلى الجامعة فطلبت الاتصال منها إلى الأهل فسمحوا لي فما أدرت قرص التلفون لطلب الرقم حتى كاد قلبي ينخلع من مكانه وكان أول من رد علي الوالدة فقالت من؟ فقلت أنا ..... وسكتت لا أستطيع أن أكمل فقالت : يابني احكي خير أشو فيك عساك بخير فقلت أنا بخير الحمد لله كل شيء على مايرام لكن...... فقالت لكن ماذا؟ فأخذتني غصة فلم أتمالك نفسي فأجهشت في البكاء فقالت : ياحيف عبتبكي لازم تصبر أنت عندك أولاد ومحتاجين ان تعمل وتقدم لهم , وأعطت التلفون للزوجة وبعد سؤالها عني كذلك هي الأخرى بدأت تصبرني وكانت ذاهلة ومشفقة لحالي , لأنها تعلم علم اليقين بأنني لا أبكي إلا في حالات خشوع خوفا من الله تعالى وشوقا لحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما ماعدا ذلك فلم يحصل أن عهدته في إلا طارئ لا علم لهابه بعد .
انتهيت من مهاتفتي الأهل وبدأت ألملم نفسي أمام الاستاذ عمر حياء مما جرى ولكنني ما كنت أعلم أنني محتقن عاطفيا إلى هذا الحد فالآن أشعر كأنني خرجت من عقال فذهب ما كنت أعانيه وحالي بدأ يخف بشكل تدريجي ويشتد في بعض الأحيان .
تعرفت على كثير من العرب خلال فترة وجيزة منهم أطباء درسوا هنا وتخرجوا في جامعات بشكيك ومدرسين قدموا لتدريس اللغة العربية في جامعات ومدارس البلد فسألت مرة بعض الأطباء العرب عن مثل الحالة التي مرت بي فقال: هذه حالة طبيعية كلنا مررنا بها في بلد أجنبي بعيد كهذا البلد لذا ترى الكثير من الطلاب والمدرسين الذين يأتون بعد شهر يلملموا حقائبهم ويغادروا فلا يطيقوا الغربة فقال لي : قد مررت بها إذن , فقلت له : أكاد أنفجر من شعوري بالغربة , فقال : خذ هذا الدواء وهو حبوب مهدئة طبيعية لا إدمان بها اسمها ( فاليريانكا) فأخذت منها فكانت تعينني على حالات الشدة ولم استمر بتناولها ولله الحمد مدة طويلة .
ومضى الشهر الأول بسلام وبدأت أتعود على البلد والعمل والناس.
وأذكر من الأمور التي حالت دون مغادرتي قرغيزستان:
أولا: خجلتي أمام الأهل والناس إذا ما رجعت ماذا سيقولون ؟
ثانيا: تعلق طلابي بي بدرجة غير طبيعية كتعلق الولد بالوالد.
ولا أقدر أن أصف شعوري بطيبتهم وبراءتهم ونظافة قلوبهم , يا إلهي كيف لي أن أترك ثغرا وضعني الله به وأنكص على عقبي وقد وأكرمني أن أنقل ما تعلمته من تعاليم وأخلاق الإسلام لأهل هذا الثغر .
إذن ....هي رسالة لا تقل عن رسالة الفاتحين الأوائل لهذة البلاد , أأترك وكيف سأواجه نفسي بعد , بل كيف سأقابل الله بعد ركلت كرامته لي , فكنت دائما أردد هذا البيت متصبرا:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له............. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ثالثا: كنت أشعر دائما أن هذه الشعوب أقصد شعوب آسيا الوسطى كانت قد فقدت هويتها الإسلامية إبان الغزو السوفيتي لها وكادوا ينسون انتماءهم الإسلامي لولا أن الله يريد أن يتم نعمته ويبلغ رسالته لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا والذين ألحدوا هي السفلى فكان هدفي هو إرجاع الهوية الإسلامية لمن أستطيع من أبناء هذه الشعوب ومن فضل الله ما كان يثنيني عن عزمي هذا لومة لائم أو غضبة جائر.
رابعا : تحسين صورة العربي عند القرغيز والروس على السواء إذ أن وسائل الإعلام اليهودية هنا تصف العربي بأنه غارق في الشهوات ( النساء والخمر ) بسبب الغنى المفرط وأنه إنسان غبي لا يعرف من الحضارة شيء إلا الناقة والثياب الوسخة وحب القتل و(الجلافة) وهو بمعنى آخر بربري عالة على الشعوب كلها يجب التخلص منه , فحاولت ( ليس لوحدي بل كل عربي مسلم جاء لتبليغ الرسالة بشتى الوسائل) فتغيرت هذه النظرة حتى بات الكثير الناس بفضل الله تعالى يعرفون مدى التجني على العرب وحل محل نظرتهم هذه أن العربي رجل حقيقي بمواصفات السوبرمان من كل النواحي الخلقية والنفسية والدينية .
وإلى لقاء
أحمد عبد القادر الطويل
بشكيك