آداب المروءة :
للمروءة آدابٌ كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى ؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعاً لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها . وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة ، ومنها :
• أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة أو رعونة ، كأن يُكثر الالتفات في الطريق ، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال ، وهكذا .
• أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح ، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
• أن يتحلّى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق ، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة وهو يحمل له العداوة ، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفاً عن السبيل .
• ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعُدَّ من سقطاته والمآخذ عليه ، وهو ما يُشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظُلمة ليلي مثل ضوء نهاري
• أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف ؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - قوله : " ليس من المروءة استخدام الضيف " .
• أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الناس ، لأن في ذلك دلالةً على اهتمامه به ، وارتياحه لمُجالسته ، وأُنسه بحديثه . وإلى هذا المعنى يُشير أبو تمام بقوله :
من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته *** ورضيتُ كان الحِلم رد جوابه
وتراه يُصغي للـحديث بقلبه *** وبسـمعه ، ولعـله أدرى بـه
• أن يكون حافظاً لما يؤتمن عليه من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها . وفي هذا المعنى يقول المتنبي :
كفتك المروءة ما تتقي *** وأمّنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يُفشي سراً وهو مؤتمنٌ عليه "
كما أن من الآداب التي يمكن أن تُضاف إلى ما سبق ذكره من آداب المروءة : أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة ، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أو الاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذارِ من سفَهٍ يشينُك وصفه *** إن السِفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك أن لا تُخالف أقواله وأفعاله ما جرت عليه العادة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة ، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين . وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يُحب أن يتعاملوا معه ، وألاَّ يُفضِل نفسه بشيءٍ عنهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثـلُكَ قائماً *** فمن المروءةِ أن تقـومَ وإن أبـى
وإذا اتكـأت وكان مثلُكَ جالساً *** فمن المروءةِ أن تُزيـلَ المـُتَّكـا
وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشياً *** فمن المروءةِ أن مشيتَ كما مشى
وانطلاقاً من كون المروءة ترتبط بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع ؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مُخالفاً للمروءة في بلدٍ أو مجتمعٍ ما ، قد لا يكون مُخالفاُ لها في بلدٍ أو مجتمعٍ آخر ، وخير مثالٍ على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تُعد مقبولةً في بعض البلاد ، وغير مقبولةٍ في بلادٍ أُخرى . وفي هذا الشأن يقول الشاطبي : ".. مثل كشف الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ؛ فهو لذوي المروءات قبيحٌ في البلاد المشرقية وغير قبيحٍ في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ؛ فيكون عند أهل المشرق قادحاً في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح ".
ولهذا فإن كل سلوكٍ يفعله الإنسان لا بد أن يخضع لميزان الشرع والعقل ؛ وألاَّ يُصادم النصوص الشرعية ، أو يكون مخالفاً لما يستحسنه العقلاء ؛ فإن الشرع لم يأت بما يُخالف العقل أبداً ، ولذلك " سُئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة ؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل ". وهذا يعني أن على الإنسان العاقل أن يُحافظ على مروءته لما في ذلك من الجمال والكمال والجلال ، وإلى ذلك يُشير الشيخ محمد الخضر حسين ( إمام جامع الأزهر ) بقوله : " إذا نظرنا إلى تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته . ومن الحِكم السائرة : ( ذو المروءة يُكرم وإن كان معدماً ، كالأسد يُهاب وإن كان رابضاً ، ومن لا مروءة له ، يُهان وإن كان موسراً ، كالكلب يُهان وإن طوق وحُليّ بالذهب ) " .
وللفائدة هناك أكثر من عشرين كتاباً عن آداب المروءة وخوارمها ....