بسم الله الرحمن الرحيم
خوارم المروءة :
يُقصد بالخوارم جمع خُرم ، وقد جاء في المعجم : " انْخَرَمَ الكتاب : نقص وذهب بعضه " ( 15 : 193 ) . وبذلك يكون المعنى المقصود من كلمة الخوارم تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه .
ولأن كثيراً من الناس قد اختل عندهم ميزان المروءة منذ أزمنةٍ سابقةٍ ، إلا أن الأمر زاد في هذا الزمان ، ولم يعد أكثرهم محافظًا على كثيرٍ من آدابها الفاضلة وأخلاقها الكريمة ، وصفاتها الحميدة ؛ فإن هناك عدداً من خوارم المروءة وقوادحها التي انتشرت بين الناس وأصبحت غيـر مستنكرةٍ عندهم لكثرة من يمارسونها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم -حتى لقد صدق فينا قول الشاعر :
مررتُ على المروءةِ وهي تبـكي *** فقلتُ : عَلامَ تنتـحبُ الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبـكي وأهلي *** جمـيعاً دون خَـلق الله مـاتوا
وفيما يلي ذكرٌ لبعض خوارم المروءة التي تنتشر في مجتمعنا المعاصر سواءً أكانت قوليةً أم فعلية ، ومنها :
( 1 ) كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان ؛ لما في ذلك من إسقاطٍ هيبته ، والإقلال من مكانته ، و لأن كثرة المزاح مدعاةٌ لحصول الخصام ، وإثارة الأحقاد في النفوس . قال الشاعر :
فإيـاك إيـاك المزاحَ فـإنه *** يُجري عليك الطفل والرَجل النذلا
ويُذهب ماء الوجه بعد بهـائهِ *** ويورث بعـد العـزِ صاحبـه ذُلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوساً منقبضاً ؛ فإن هذا مما يُذم و يُكره ، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جاداً في قوله وعمله وكل شأنه ، مع شيءٍ من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ " . رواه مسلم
كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عُماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور "
. وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة .
( 2 ) أن يأكل الإنسان طعامًا أو يشرب شراباً وهو يمشي في الأسواق والطرقات ، فهذا فعلٌ وطبعٌ يتنافى مع كمال المروءة ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات . ولذلك فقد ورد أثرٌ عن ابن سيرين أنه قال : " ثلاثةٌ ليست من المروءة : الأكل في الأسواق ، والإدِّهان عند العطار ، والنظر في مرآة الحجام "
. ويتبع لذلك عادة قضم ما يُسمى ( الفصفص أو الحب _البزر _وغيره من أنواع المكسرات المعروفة ) أمام الناس ، ولا سيما في أماكن التجمعات والشوارع والأسواق والميادين العامة والمجالس لما في ذلك من مخالفةٍ للمروءة ، وعدم احترامٍ للآخرين في هذه الأماكن .
( 3 ) عدم احترام الصغار للكبار سواءً أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات ، وعدم توقيـر كبار السن و إنزالهم منازلهم ، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يُسابقون الكبار في كل شئ ، وقد يعارضونهم في الكلام ؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله ، وهذا أمرٌ محرمٌ ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يُكرم ويُجل ذي الشيبةٍ المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المُسلم " رواه أبو داود
وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطِباع قال الشاعر :
إذا المرءُ أعيتْهُ المروءةُ ناشِئاً *** فمطلبُها كهلاً عليه عَسِيـرُ
نتابع في الحلقة القادمة إن شاءالله ودمتم بخير وسعادة