بسم الله الرحمن الرحيم :
كان يا ما كان في قديم الزمان.. هكذا تبدأ كل الحكايات والقصص الخيالية، لكن قصتنا ليست خيالية، بل هي حقيقية مائة في المائة. وهي ليست في قديم الزمان، إنما منذ زمن الانخداع بالمصطلحات و تغيًّر النفوس وانقلاب المعايير عند البشر وما زالت فصولها مستمرة حتى اليوم....
هروباً من ضنك العيش وضيق الحال وقلة ما في اليد وحلماً بمستقبل واعد وطلباً لتحقيق الأحلام
يقرر البعض الهجرة من وطنه الغالي وفراق الأحبة الذين ينفطر القلب لبعدهم وتذوب الروح شوقاً وحنيناً لرؤيتهم
يذهب لبلد غريب عنه بعاداته وتقاليده ، بناسه ومناخه بكل شيء فيه ...تارة ً ينام في مسجد وأخرى على الرصيف
وأحياناً في حديقة عامة!!! وقد يطول الانتظار لعمل أو وظيفة سنة أو أكثر وبعد كل هذه المعاناة يجعل الله بعد عُسرٍ يسرا وتفرج ُ الهموم
ويُكرمه المولى بوظيفة مقبولة نوعاً ما فيـُصبح يجمع قرشاً قرشاً لسداد دينه المتراكم عليه في بلده
وقبل أن يتنعّم براتبه أو يـُفرح أهله وأخوته بشيء يتصل عليه قريبٌ أو صديق طالباً منه ( كم ورقة)
( أو شويّة مصاري ) على قولة الطالبين ... وعندما يسمع عبارة ( كم ورقة ) يتبادر لذهنه خمسة آلاف أو عشرة أو حتى
عشرين ولكن يستحيل أن يخطر بباله مبلغ يتجاوز هذا الحد.... فيجيبه وبكل رحابة صدر وطيب نفس وبكل أخوية ( تكرم عينك) ( أهلا وسهلا)
وقبل إنهاء المحادثة يسأله عن حاجته بالضبط وكم يـُــريد من المال
وهنا يسمع ما يجعله يعصّ ويشرق ولا يكاد يلتقط أنفاسه
يسمع ما لم يكن يتوقعه بل ولم يخطر على باله .. قائلاً .كم تريد ؟؟
فيجيب 150000 مئة وخمسون ألفاً !!!!!
وهنا يجد نفسه محرجاً !! فإن اعتذر كانت مصيبة وإن غامر فالمصيبة والكارثة أعظم وقد تكون ضربة قاضية على الصحبة والأخوة والمحبة
التي كانت بينهما.....!!!
هذه القصة ليست من نسيج الخيال بل هي واقعية وحدثت مع شخص أعرفه كما أعرف نفسي وعندما اعتذر
أصبح يوصف من البعض بأوصاف لا تليق مطلقاً
وكل عيبه أو ذنبه أنه لم يلبي طلب أحدهم لعدم استطاعته وليس بُخلاً!!! وهنا أحب أن أقول شيئاً مهماً عشته أنا شخصياً وهو:
أنّ المغترب يدفع أضعاف ما يأخذ من المال وإن كان راتبه بمئات الألوف وليس بالعشرات ،،،وضريبة الغربة باهظة ، وثمن الغربة عالي وغالي جداً
وليست القضية بكثرة راتب الفرد وإنما بالسوق والأسعار ومتطلبات الحياة ببلد الاغتراب
والمغترب أياً كان لا يجمع المال من على سطح البحر ولا من على وجه الماء فقد يذهب لأغنى دول العالم ويجلس سنة كاملة من دون دخل ولذلك لا نكن عوناً للشيطان على أخينا المغترب فوالله إنه مسكين ويستحق الدعاء له بتخفيف آلام وقسوة وظلمة الغربة ..فلا تنسونا من دعائكم رحمكم الله