عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا معاه ومع النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
أما آخر الأصحاب ، فهو : عكرمة بن أبي جهل
فسبحان الذي يخرج الحي من الميت ، والميت من الحي ، لقد كان أبوه فرعون هذه الأمة .
تأخر إسلامه حتى يوم الفتح .
كان مشركا آنذاك ، وقاوم مقاومة عنيفة ، لكن انهارت مقاومته أمام خالد .
فركب إلى البحر يريد أن يرمي نفسه في البحر ، ويخرج إلى إحدى الجزر ، أو أن يضيع في العالم ؛ لأنه ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يذبحه .
فأتت امرأته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقالت : زوجي فر منك .
قال : (( خذي له الأمان )).
قيل : أعطاها صلى الله عليه وسلم كساء ، وقيل : عمامة ، وقيل : أعطاها قلنسوة ، فقال : (( خذيها وأخبريه )).
فأتت وإذا هو يتهيأ على البحر يريد أن يركب سفينة ، فأشارت إليه قائلة : الأمان ، الأمان.
قال : لا أمان ، لا أمان .
قالت : هذه عمامة محمد صلى الله عليه وسلم وقلنسوته .
فلما عاد ، ورآه صلى الله عليه وسلم مقبلا مع زوجته تبسم صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه ليس من الحكمة أن يقول : أين أنت يا فار أو يا كافر .
ولكنه صلى الله عليه وسلم قال : (( مرحبا بالراكب المهاجر )) [18]، أنت هاجرت إلى الله ورسوله .
فقال : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد انك رسول الله ، والله يا رسول الله ، لا اترك موقفا حاربت الإسلام فيه إلا حاربت مع الإسلام فيه ، ولا نفقة أنفقتها في حرب الإسلام ، إلا أنفقت ضعفها في نصرة الإسلام .
حضر اليرموك ، رضي الله عنه و أرضاه ، فانهزم المسلمون في أول معركة .
فلما رأى الهزيمة لبس أكفانه ، واغتسل وتطيب ،وسل سيفه وكسر غمده على ركبته ، وقال : يا مسلمون ، من يبايعني على الموت؟ من يشتري الموت اليوم ؟
فبايعه أربعمائة مقاتل ، فشق بهم صفوف الروم كالسيل ، حتى وصل إلى وسط الروم ، فقاتل حتى صلاة الظهر ، ثم تناوشته الرماح والسيوف من كل جانب فوقع صريعا على الأرض .
فحملوه على الاكتاف حتى وصل إلى القائد خالد بن الوليد .
فرآه خالد فاحتضنه ؛ لأنه كان صديقا له في الجاهلية وقال : ماذا تريد يا عكرمة ؟
فأشار بلسانه يريد الماء ، لأنه لا يستطيع أن يتكلم ، فهو في آخر رمق الحياة .
فأتى خالد بماء بارد من خيمته ، فاندفع نحو عكرمة ليسقيه ، وما هي إلا لحظات حتى جيء بالحارث بن هشام ، عم عكرمة ،أخو أبي جهل ، وهو في آخر رمق ، فوضع على رجلي خالد ،فأتى بابن عكرمة ، وهو شهيد فوضع بجانبه وجي برابع .
فأتى خالد بالماء ليعطي عكرمة فأشار إلى عمه ، يقول : اسقه قبلي ) وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(الحشر: من الآية 9) .
فأعطى عمه ، فرفض أن يشرب قبل ابن عكرمة .
فدفعوا الماء للشاب الصغير ، فرفض أن يشرب قبل الرجل الرابع .
فحولوه إلى الرابع ، فقال : لا حتى يشرب عكرمة .
فعاد إلى عكرمة فوجده قد مات .
فدفعه إلى الحارث بن هشام ، فوجده قد مات .
فأعاده إلى الثالث ، فوجده قد مات
فأعاده إلى الرابع ، فوجده قد مات .
قال أهل العلم : فانتحب خالد من البكاء ، وقال : اللهم اسقهم من جنتك زعم فلان ( يعني : أحد الكفار ) أنا لا نموت إلا حبطا ( يعني : لا نموت إلا على الفرش ) لا والله ، بل نموت تحت قصف السيوف وضرب الرماح .
هذا عكرمة بن أبي جهل وهو مثل للشباب المسلم .