طرفة هو عمرو بن العبد بن سفيان، أما طرفة فلقبه، وموطنه البحرين الواقعة على الخليج العربي.
قال طرفة الشعر شابا، وتعرض به مدحا وهجاء، وكان أكثر تعرضه لبلاط المناذرة في الحيرة.
وعرف عن طرفة لهوه بقول الشعر عن الإبل التي كان يرعاها مع أخيه في شبابهما، حتى لامه أخوه على ذلك، سائلا إياه عن مقدرته عن رد إبله إذا ما سرقت منه وهو منشغل عنها بقول الشعر، وأجابه طرفة بتحد " فإني لا أخرج بها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها إن أخذت".
وأخذ إبله قوم من مضر، فادعى طرفة جوار عمرو وقابوس ابني المنذر الثالث ملك الحيرة، وقال يخاطبهما:
أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة لها سبب ترعى به المــاء والشجـــــــر
وكان لها جاران، قابـــوس منهمـــا وعمرو، ولم استرعهما الشمس والقمر
حرب البسوس
اشترك طرفة بن العبد في حرب البسوس، وكان معاصرا للمنذر الثالث
(514-544 م) ولابنه عمرو بن هند، وكان أيضا صديقا لعمرو بن مامة أخي عمرو بن هند لأبيه، فلما تولى عمرو بن هند ملك الحيرة ولم يكن قد بقي مودة بينه وبين طرفة، سافر شاعرنا وعمرو بن مامة الى اليمن بتجارة لهما إلى اليمن ومكثا هناك بضع سنوات، وأثناء رجوعهما نحو 62 قبل الهجرة، قتلا، وكان عمر طرفة حينئذ ثلاثين عاما فقط.
المعلقة
طرفة من أصحاب المعلقات المقدمين بإجماع الآراء، فشعره بدوي خالص كثير الغريب، متين التركيب مع شيء من الإبهام أحيانا.
وقد برع طرفة بالحماسة والفخر والهجاء والحكمة أيضا نظرا لتعرضه للحياة والموت كثيرا في أشعاره، كما كان كثير النقد واللوم للأغنياء الذين لا يتمتعون بأموالهم .
وقالت العرب في معلقة طرفة "طرفة أشعرهم واحدة"، ويقصدون أن معلقته تفضل كل قصيدة أخرى إذا ما قارنا معلقته بأي قصيدة واحدة لغيره من الشعراء، غير أنها – وعلى هذا الأساس – لا يمكن أن تكون أفضل من عدد القصائد لشاعر آخر.
يقول طرفة بن العبد في معلقته:
لِخَوْلَةَ أطْلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ
تلُوحُ كَباقي الوَشْمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بِها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ
يقولونَ لا تَهْلِكْ أسًى وتَجَلَّدِ
كأنَّ حُدوجَ المالِكِيَّةِ غُدْوَةً
خَلا ياسَفينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
عَدَوْلِيَّةٌ أو مِنْ سَفينِ ابن يامِنٍ
يَجورُ بِها الملاَّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزومُها بِها
كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفايِلَ باليَدِ
وفي الحَيِّ أحْوَى يَنْفُضُ المرْدَ شادِنٌ
مُظاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وزَبَرْجَدِ
خَذولٌ تُراعىَ رَبْرَباً بِخَميلَةٍ
تَناولُ أطْرافَ البَريرِ وتَرْتَدي
وتَبْسِمُ عن أَلْمى كأنَّ مُنَوِّراً
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ له نَدِ
سَفَتْهُ إياةُ الشَّمسِ إلاّ لِثاتِهِ
أُسِفَّ ولم تَكْدِمْ عليهِ بإثمِدِ
ووجْهٍ كأنَّ الشَّمسَ ألْقتْ رِداءهَا
عليه نقيِّ اللَّونِ لم يَتَخَددَّ
وإنِّي لأُمْضي الهَمَّ عند احْتِضارِهِ
بعَوْجاءَ مِرْقالٍِ تَرُوحُ وتَغْتدي
أمونٍ كألْواحِ الإرانِ نَصَأْتُها
على لاحِبٍ كأنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
جُمالِيَّةٍ وَجْناءَ تَرْدى كأنَّها
سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أرْبَدِ
تُبارِي عِتاقاً ناجياتٍ وأتْبَعَتْ
وظيفاً وظيفاً فوْقَ موْرٍ مُعْبَّدِ
تَرَبَّعتِ القُفَّيْنِ في الشَّولِ ترْتَعي
حدائقَ موْلِىَّ الأسِرَّةِ أغْيَدِ
تَريعُ إلى صَوْبِ المُهيبِ وتَتَّقي
بِذي خُصَلٍ روْعاتِ أكْلَف مُلْبِدِ
كأنَّ جَناحَيْ مَضْرَحيٍّ تَكَنَّفا
حِفافَيْهِ شُكَّا في العَسيبِ بِمِسْرَدِ
فطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّميلِ وتارَةً
على حَشَفٍ كالشَّنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ
لها فِخْذان أُكْمِلَ النَّحْضُ فيهِما
كأنَّهُما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ
وطَيُّ مَحالٍ كالحَنيِّ خُلوفُهُ
وأجْرِنَةٌ لُزَّتْ برأيٍ مُنَضَّدِ
كأنَّ كِنَاسَيْ ضالَةٍ يَكْنِفانِها
وأطْرَ قِسِيٍّ تحت صَلْبٍ مًؤيَّدِ
لها مِرْفقانِ أفْتلانِ كأنَّها
تَمُرُّ بسَلْمَىْ دالِجٍ مُتَشَدِّدِ
كقَنْطَرةِ الرُّوميِّ أقْسَمَ رَبُّها
لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بقَرْمَدِ
صُهابيةُ العُثْنونِ مُوجَدَةُ القَرَا
بَعيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ
أُمِرَّتْ يَداها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ
جَنوحٌ دِفاقٌ عَنْدَلٌ ثم أُفْرِعَتْ
لها كَتِفاها في مُعالىً مُصَعِّدِ
كأنَّ عُلوبَ النِّسْعِ في دَأَياتِها
موارِدُ مِن خَلْقاءَ في ظَهْرِ قَرْدَدِ
تَلاقَى وأَحْياناً تَبينُ كأنَّها
بَنائِقُ غُرٍّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ
وأتْلَعُ نَهَّاضٌ إذا صَعَّدَتْ به
كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بدَجْلَةَ مُصْعِدِ
وجُمْجُمَةٌ مثلُ العَلاةِ كأنَّما
وَعَى المُلْتَقَى منها إلى حَرْف مِبْرَدِ
وخَدٌّ كقِرْطاسِ الشَّآمِي ومِشْفَرٌ
كَسِبْتِ اليَماني قَدُّهُ لم يُجرَّدِ
وعَيْنانِ كالماوِيَّتَيْن اسْتَكَنَّتَا
بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
طَحورانِ عُوَّارَ القَذَى فتراهُما
كَمَكْحولَتَيْ مذْعورَةٍ أُمِّ فَرْقَد
وصادِقَتا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرَى
لِهَجْسٍ خَفيٍّ أو لِصوْتٍ مُنَدِّدِ
مُؤَلَّلتانِ تَعْرفُ العِتْقَ فيهِما
كسامَعَتَيْ شاة بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ
وأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ
كَمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفيحٍ مُصَمَّدِ
وأعْلَمُ مَخْروتٌ من الأنْفِ مارِنٌ
عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به الأرضَ تَزْدَدِ
وإنْ شِئْتُ لم تُرْقِلْ وإنْ شِئْتُ أرْقَلَتْ
مَخافَةَ مَلْوِيٍّ من القَدِّ مُحْصَدِ
وإنْ شِئْتُ سامَى واسِطَ الكُورِ رأسُها
وعامَتْ بضَبْعَيْها نَجاءَ الخَفَيْدَدِ
عَلى مِثْلِها أمْضِي إذا قالَ صاحبي
ألا لَيْتَني أفْديكَ مِنْها وأفْتَدِي
وجاشَتْ إليهِ النَّفُسُ خَوْفا وخالَهُ
مُصاباً ولو أمْسَى على غيرِ مرْصَدِ
إذا القَوْمُ قالوا مَن فَتَىً خِلْتُ أنَّني
عُنيتُ فَلمْ أكْسَلْ ولم أَتَبلَّدِ
أحَلْتُ عَلَيْها بالقَطيعِ فأجْذَمَتْ
وقد خَبَّ آلُ الأمْعَزِ المُتَوَقِّدِ
فَذَالَتْ كما ذالَتْ ولِيدَةُ مَجْلِسٍ
تُرِي ربَّها أذْيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ