البخــــــــــاري… صاحب صحيح البخاري
من أجل علماء المسلمين قدراً، وأعظمهم شأناً في علم الحديث النبوي الشريف…
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن بردزبه البخاري، صاحب كتاب "
الجامع الصحيح المسند ".
تعريف بجذوره ،،،
البخاري من الأسماء المرموقة في مجال الثقافة الإسلامية، كان صيته منقطع النظير حتى كاد كتابه "
صحيح البخاري" يبلغ مرتبة القداسة!! واسمه الكامل:
أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه البخاري مولداً و وطناً، الجعفي نسباً بالولاء.
ولفظ "
بردزبه" أشهر الرسوم الواردة في اسم الجد الأعلى للبخاري حسب المراجع الأصلية، وهي كامة معناها "
الفلاح" أو "
الزارع" في لغة أهل بخاري.
وحتى كلمة "
برديز" في الفارسية القديمة كان معناها
البستان ( تعليق من عندي : سبحان الله حتى في اللغة الإنجليزية الجنّه تنطق تقريباً بنفس الكيفيه
Paradise وفي اللغة العربية يطلق لفظ الجنّة على البستان كما في قصة أصحاب الجنّة في سورة القلم! )..
معنى ذلك أن البخاري يرجع نسبه إلى أسرة متواضعة كانت تحترف الفلاحة في الأصل، وأن الجد الأكبر "
بردزبه" فارسي الأصل ومن المجوس!
وأول من أسلم من أباء البخاري "المغيرة بن بردزبه"، وكان إسلامه على يد اليمان الجعفي والي خراسان، وبذلك إنتمى إليه بالولاء كما قدمنا، وصارت كلمة "الجعفي" لقباً من بعده .. ولا تذكر المراجع الأصلية شيئاً كثيراً عن إبراهيم بن المغيرة، أما إسماعيل بن إبراهيم فقد إتجه نحو نور العلم والمعرفة، واشترك في الحركة العلمية المعنية بخدمة الحديث الشريف آنئذ.
وشاء الله أن يوّفق أبو الحسن إسماعيل بن إبراهيم في حياته وسلوكه، فاشتهر بالورع، والصدق، والتقوى، وبالعلم، ورحل إلى حيث كبار الأئمة، وروى بالسماع عن مالك بن انس، وصحب عبد الله ابن المبارك، وترجم له ابنه أبو عبد الله في كتابه "التاريخ الكبير"، وجمع أبو الحسن مالاً وفيراً، كان يقول عنه:
"
لا أعلم في جميع مالي درهماً من شبهة"، وقبل وفاته رزقه الله ولده عبد الله محمد بن إسماعيل الذي نحن بصدد الحديث عنه...
ولادته ،،،
ولد البخاري يوم الجمعة 13 من شوال سنة 194هـ. وفي بعض الروايات الضعيقة : يوم الخميس 12 من شوال، وذلك ببخاري، وكانت مدينة كبيرة من بلاد تركستان، على المجرى الأسفل لنهر زرافستان التي فتحها المسلمون بعد منتصف القرن الاول الهجري، وعلى يد "مسلم ابن قتيبة"، وصارت من كبرى مدن المسلمين، ومركزاً علمياً وثقافياً هاماً.
ويثذكر عن أمه أنها كانت ممن يقبل الله دعاءهم، لعِظم تقواها، و ورعها!، وهي التي سهرت على تربية ابنها، وتسديد خطاه، حتى اشتد عوده، ورحلت به إلى بيت الله تعالى للحج، حيث افترقا، فعادت هي إلى وطنها، وبقى هو في الحجاز، ليبدأ حياة جديدة، هي حياة التكوين والنضوج، فجمع من العلم أغنى ذخيرة، عن طريق القراءة، والحفظ، والسّماع، والحوار، والمناقشة في مجالس العلم..
وكانت هذه الوسائل هي التي اعتمد عليها في عمله العلمي الضخم، الذي أكسبه الشهرة العالمية، إلى أن توفى عام 256هـ.
أهم صفاته ،،،
بدأ البخاري سماع الحديث الشريف من الشيوخ، وهو في الحادية عشرة من عمره، إلا أنه آنئذ كان نحيفاً ضعيفاً، قليل الأكل جداً، متقشفاً، يكتفي بالخبز، ويُعرض عن الادام، وظل على هذه الحال معظم حياته، فكان عُرضة للأسقام. ويُحكى أن البخاري مرض ذات مرّة، ورأى الأطباء أن علاجه " الأدم"، ولكنّه امتنع حتى ألح عليه المشايخ وأهل العلم، فأجابهم إلى أن يأكل مع الخبز كسرة!!
وأصيب البخاري في بصره من وقت إلى آخر حتّى كاد يُشرف على العمى!
ومن اهم صفاته، أنه كان عزيز النفس، عفيف اليد يتحمّل ويتجمّل، ولا يريق ماء وجهه، حتّى في أشد حالات الحاجة و العسرة. ولطالما عالج الجوع بأكل الحشائش!!، كما كان يستر العرى بالإحتباس في البيت!!
سافر البخاري إلى معظم بلاد المسلمين فيما بين مصر غرباً، وخرسان وما وراء النهر في أقصى الشرق، وتردد على أكثر ما زاره من أمصار غير مرّة طلباً للعلم والمعرفة. وعلى هذا النحو تعلّم وعلّم، وألّف وأخذ أطيب الثمرات، بعد تدقيق وحسن إختيار لكل ما قال.
مدرسته ،،،
تركزت أهم أعمال مدرسته في توخّي الصحيح من الأحاديث، إلا أنه يمكن القول بصفه عامة إنه في ذلك، جاب الأقطار، وتحدّث إلى أغلب علماء الحديث في عصره، وهو يقول في فئة منهم:
"
لقيت أكثر من ألف رجل، من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، وخرسان، فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول و عمل، وأن القرآن كلام الله".
ويقول عن فئة أخرى:
"
كتبت عن ألف وثمانين نفساً، ليس منهم صاحب حديث".
ومن وراء كل هذه الأعداد، فئات أخرى، وأعداد يكاد لا يدركها الإحصاء، التقى بهم البخاري، وسمع منهم، إلا أنهم لم يكونوا أهل ثقته.. ولم يأخذ بما رووا له، وكان يقول:
"
أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح" – تخيلوا!!! –
ولعلنا نلمس أهم دعائم مدرسته من قوله:
"
لا يكون الحديث كاملاً، حتّى يكتب عمن فوقه، وعمّن هو مثله؟، وعمّن هو دونه!"، وهذا هو نفسه المبدأ العلمي الذي كان يردده:
"
لا يكون الرجل عالماً حتّى يتحدّث عمّن فوقه، وعمّن هو مثله، وعمّن هو دونه".
صحيح البخاري ،،
سفر ضخم يصفه مؤلفه بقوله:
"
أخرجت الكتاب من نحو ستمائة ألف حديث، وصنفته في سبعة عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله".
وورد في المرجع الثاني قوله:
"
خرجت كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث في ستة عشرة سنه، وما وضعت فيه حديثاً إلا اغتسلت وصلّيت ركعتين .."