بسم الله الرحمن الرحيم :
عمير بن وهب
أما عمير بن وهب ، فقد كان وثنيا مشركا ، لا يعرف الله ، بل كفر بلا إله إلا الله محمد رسول الله .
أسلم كثير من كفار قريش ، أما هو فأبى أن يسلم .
قتل أقاربه في بدر ، فاجتمع هو وصفوان بن أمية عند البيت العتيق ، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة لا يعلم عنهما شيئا ، لكن الله تعالى يعلم .
اجتمعوا تحت الميزاب ،وتشاوروا في مناجاة ؛ لا يسمعهم ثلاث إلا الله )أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )(المجادلة: من الآية 7) .
قال عمير لصفوان : وددت أن أحداً يكفل أهلي ومالي ، وأذهب إلى محمد في المدينة فأقتله .
فقال صفوان : أنا اكفل اهلك ، وأقوم بأطفالك : الدم دمي والهدم هدمي .
قال : فاكتم هذا الأمر .
قال : أكتمه.
قال : فإني ذاهب إلى محمد ، وأقول للنا : إني أريد الاسارى ، يعني : أرى أهل بدر ، وكانوا سبعين اسيرا في المدينة ، ولا تخبر أحداً .
لكن علام الغيوب الذي لا يخفى عليه خافية علم .
ذهب عمير بن وهب ، فأخذ سيفه فسمه بالسم الأزرق ، حتى اصبح السيف ازرق من السم .
وخرج يمضي في الليل ، ووصل إلى المدينة قبل الغروب ، فرآه عمر بن الخطاب ، وعمر قد أوتي فراسة الإيمان ، يلتقط بعينه الشياطين من رؤوس الملاحدة .
فقال للصحابة : إني أرى الشيطان متقمصا هذا الرجل ، يعني : عمير بن وهب ، فأقبل عمر منه ، وقال : إلى أين يا عمير ؟
قال عمير : أتيت الأفادى الاسارى من محمد .
فمسكه بقميصه ، وثيابه ، وأخذ يقتاده إلى محمد صلى الله عليه وسلم رهينة .
السيف مع ذاك ، لكن الله مع عمر ، والموت مع ذاك . ولكن الحق مع عمر .
فأخذه إلى الرسول r ، والرسول r لم يكن عنده سلاح ، وعمير معه سيف مسموم ، ولكن :
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الاطم
قال r : (( يا عمير ، ماذا جاء بك ))؟
قال : أتيت من أجل قرابة لي أسرتهم يوم بدر أفاديهم .
فقال r : (( لا ، والذي نفسي بيده ، إنك جلست أنت وصفوان بن أمية ليلة كذا في يوم كذا تحت ميزاب الكعب فقلت لصفوان : وددت إني اقتل محمدا لكن أهلي وأطفالي ، فقال لك صفوان : اذهب وأنا أكفيك الأطفال ، فسممت سيفك شهرا ، ثم أتيت لتقتلني ، وما كان الله ليسلطك على ذلك )).
فقام عمير وقال : اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله[7] )أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (الطور:15) ؟.
أكهانة هذه ، أم هو الحق الصراح ؛ الذي أتى به الوحي مع جبريل عليه السلام )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) (لنجم:1)
)مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (لنجم:2) )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (لنجم:3) )إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (لنجم:4)
)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (لنجم:5) .
وفي قصة عمير دروس :
وقال ابن عمر : كنا نتحدث أن السكينة تنزل على لسان عمر .
الثاني : علم الله وسعته )وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)
الثالث : معجزة له صلى الله عليه وسلم ، وقد علمه الله .
الرابع : أن من ادعى علم الغيب ، فقد كذب إلا الأنبياء والرسل )قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65)
الخامس : فضيلة لعمير ؛ لأنه عندما علم الحق أذعن له وأسلم ، ولم يكابر ، فأصبح بطلا من أبطال الإسلام .
كتاب (سيماهم في وجوههم )